* اللغة:
(مُحَمَّدٍ) اسم عربي وهو مفعل من الحمد والتكرير فيه للتكثير كما تقول كرّمته فهو مكرّم وعظمته فهو معظّم إذا فعلت ذلك مرة بعد مرة وهو منقول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده وكان كذلك صلى الله عليه وسلم، روى بعض نقلة العلم فيما حكاه ابن دريد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ولد أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجال قريش وكانت سنّتهم في المولود إذا ولد في استقبال الليل كفئوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشقّت عنه القدر وهو شاخص إلى السماء فلما حضرت رجال قريش وطعموا قالوا لعبد المطلب ما سمّيت ابنك هذا؟
قال: سمّيته محمدا قالوا: ما هذا من أسماء آبائك قال: أردت أن يحمد في السموات والأرض. يقال: رجل محمود ومحمد قال الأعشى:
إليك أبيت اللعن كان كلالها ... إلى الواحد الفرد الجواد المحمّد
فمحمود لا يدل على الكثرة ومحمد يدل على ذلك والذي يدل على الفرق بينهما قول الشاعر:
فلست بمحمود ولا بمحمد ... ولكنما أنت الحبط الحباتر
وقد سمّت العرب في الجاهلية رجالا من أبنائها بذلك منهم محمد بن حمران الجعفي الشاعر وكان في عصر امرئ القيس وسمّاه شويعرا ومحمد بن خولي الهمداني ومحمد بن بلال بن أحيحة وكان زوج سلمى بنت عمرو جدّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جدّه ومحمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأبو محمد بن أوس بن زيد شهد بدرا.
(بالَهُمْ) البال: القلب يقال: ما خطر الأمر ببالي والحال والعيش يقال فلان رخي البال والخاطر يقال فلان كاسف البال وما يهتم به يقال: ليس هذا من بالي أي مما أباليه وأمر ذو بال أي يهتم به وما بالك أي ما شأنك وقال الجوهري: «والبال أيضا رفاء العيش يقال فلان رخي البال أي رخي العيش وعبارة البيضاوي «وأصلح بالهم أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد» وعبارة أبي حيان: «البال الفكر تقول خطر في بالي كذا ولا يثني ولا يجمع وشذ قولهم بآلات في جمعه» وعبارة القاموس: «والبال: الحال والخاطر والقلب والحوت العظيم وبهاء: القارورة والجراب ووعاء الطيب» .
(أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل وفي المصباح «أثخن في الأرض إثخانا سار إلى العدو وأوسعهم قتلا وأثخنته أوهنته بالجراح وأضعفته» .
(الْوَثاقَ) بالفتح والكسر اسم ما يوثق به وفي المصباح: «الوثاق القيد والحبل ونحوه بفتح الواو وكسرها والجمع وثق مثل. وربط وعناق وعنق» .
(أَوْزارَها) آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وعبارة الكشاف: «وسمّيت أوزارها لأنه لما لم يكن لها بدّ من جرّها فكأنها تحملها وتستقل بها فإذا انقضت فكأنها وضعتها وقيل أوزارها آثامها يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا» .
* الإعراب:
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) الذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وصدّوا عطف على كفروا وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا وأضلّ أعمالهم فعل وفاعل مستتر يعود على الله تعالى ومفعول به والجملة خبر الذين وأجاز أبو البقاء أن ينتصب الذين بفعل دلّ عليه المذكور أي أضلّ الذين كفروا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا، وآمنوا بما نزل على محمد عطف أيضا والواو اعتراضية وهو مبتدأ والحق خبره ومن ربهم حال (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) جملة كفّر عنهم خبر الذين آمنوا وسيئاتهم مفعول به وأصلح بالهم عطف على كفّر عنهم سيئاتهم (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) ذلك مبتدأ وبأن الذين كفروا خبره وجملة اتبعوا الباطل خبر أن (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) عطف على ما تقدم وقد تقدم إعرابه (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) كذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الضرب يضرب الله للناس أمثالهم وسيأتي معنى ضرب المثل هنا في باب البلاغة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) الفاء عاطفة لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط والعامل فيه فعل مقدّر هو العامل في ضرب الرقاب تقديره فاضربوا الرقاب وقت ملاقاتكم العدو ولا يعمل فيه نفس المصدر لأنه مؤكد وجملة لقيتم في محل جر بإضافة الظرف إليها والذين مفعول لقيتم وجملة كفروا صلة والفاء رابطة لجواب الشرط وضرب مفعول مطلق لفعل محذوف والرقاب مضاف إليه (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) حتى حرف ابتداء أي تبدأ بعده الجمل وجعلها أبو حيان حرف غاية وجر قال «وهذه غاية للضرب» وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أثخنتموهم في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاء رابطة لجواب إذا وشدّوا الوثاق فعل أمر وفاعل ومفعول به والفاء للتفريع وإما حرف شرط وتفصيل ومنّا وفداء مصدران منصوبان بفعل لا يجوز إظهاره لأن المصدر متى سيق تفصيلا لعاقبة جملة وجب نصبه بإضمار فعل والتقدير فإما أن تمنّوا منّا وإما أن تفادوا فداء، وأجاز أبو البقاء أن يكونا مفعولين بهما لعامل مقدّر تقديرهم أولوهم منّا واقبلوا منهم فداء، وليس بالوجه، وبعد ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى أي بعد أسرهم وشدّ وثاقهم (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) حتى حرف غاية وجر وهي مع مدخولها إما أن تتعلق بالضرب والشدّ أو بالمنّ والفداء لأنها غاية لذلك كله على تفصيل تجده مبسوطا في كتب الفقهاء وليس هذا موضعه وسيأتي مزيد بيان في باب البلاغة، وتضع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والحرب فاعل وأوزارها مفعول به (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ذلك خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر فيهم ما ذكر من القتل والأسر وما بعده من المنّ والفداء ولك أن تنصبه بفعل محذوف أي افعلوا ذلك، والواو استئنافية ولو شرطية ويشاء الله فعل مضارع وفاعل واللام واقعة في جواب لو وانتصر فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو أي الله تعالى ولكن الواو عاطفة أو حالية ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف واللام للتعليل ويبلو فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل واللام ومدخولها متعلقة بفعل محذوف تقديره أمركم بالقتال وبعضكم مفعول به وببعض متعلقان بيبلو (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) الواو عاطفة والذين مبتدأ وجملة قتلوا صلة وفي سبيل الله متعلقان بقتلوا والفاء رابطة لما في الموصول من معنى الشرط ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويضل فعل مضارع منصوب بلن وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وأعمالهم مفعول به والجملة خبر الذين (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) السين حرف استقبال ويهديهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ويصلح عطف على يهدي وبالهم مفعول به (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) الواو عاطفة ويدخلهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به والجنة مفعول
به ثان على السعة وجملة عرفها لهم مستأنفة أو حالية وسيأتي في باب الفوائد معنى عرفها لهم.
* البلاغة:
1- في قوله تعالى «وأضلّ أعمالهم» استعارة مكنية فقد شبّه أعمالهم بالضالة من الإبل التي هي بمضيعة لا رب لها يحفظها ويعتني بها أو بالماء الذي يضل في اللبن والمعنى أن الكفار ضلّت أعمالهم الصالحة في جملة أعمالهم السيئة من الكفر والمعاصي وحتى صار صالحهم مستهلكا في غمار سيئهم ومقابله في المؤمنين ستر الله لأعمالهم السيئة في كنف أعمالهم الصالحة من الايمان والطاعة حتى صار سيئهم مكفرا ممحقا في جنب صالح أعمالهم، وإلى هذا التمثيل الجميل في عدم تقبل صالح الكفار والتجاوز عن سيئ أعمال المؤمنين وقعت الإشارة في قوله تعالى «كذلك يضرب الله للناس أمثالهم» وتفصيل ذلك أن ضرب المثل استعمال القول السائر المشبّه مضربه مورده بمورده قال الزمخشري: «فإن قلت أين ضرب الأمثال؟ قلت في أن جعل اتباع الباطل مثلا لأعمال الكفّار واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو في جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفّار وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين» .
2- المجاز المرسل: وفي قوله تعالى «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» مجاز مرسل علاقته ذكر الجزء وإرادة الكل لأن ضرب الرقاب عبارة عن القتل ولكن لما كان قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته وقع عبارة عن القتل وقد أوثر المجاز لما فيه من تصوير وتجسيد لأن في هذه العبارة- كما يقول الزمخشري- من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حزّ العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوّه وأوجه أعضائه.
3- وفي قوله تعالى «حتى تضع الحرب أوزارها» استعارة مكنية أو تصريحية فعلى الأولى شبّه الحرب بمطايا ذات أوزار أي أحمال ثقال، وعلى الثانية استعار الأوزار لآلات الحرب، وفيه أيضا مجاز في الإسناد فقد أسند وضع الأوزار إلى الحرب وإنما هو لأهلها.
* الفوائد:
معنى قوله تعالى «عرّفها لهم» إما من التعريف وهو التحديد بحيث يكون لكل واحد جنة مفرزة، وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا» وأما من العرف وهو طيب الرائحة قال ابن عباس عرفها لهم بأنواع الملاذ وطعام معرّف أي مطيّب، تقول العرب: عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبازير، وفي كلام بعضهم: عزف كنوح القماري وعرف كفوح القماري، والقماري الأول جمع قمري اسم طير والقماري الثاني عود منسوب إلى موضع ببلاد الهند، كذا في الصحاح.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُوا۟ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدࣲ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلۡبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَـٰلَهُمۡ","فَإِذَا لَقِیتُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّوا۟ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَاۤءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ","سَیَهۡدِیهِمۡ وَیُصۡلِحُ بَالَهُمۡ","وَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ"}