الباحث القرآني

* اللغة: (بِقَدَرٍ) بمقدار أي يؤدي ما تحتاجون إليه فلا يكون قليلا لا ينفع ولا يكون كثيرا فيؤذي ويضرّ. (فَأَنْشَرْنا) أحيينا، وفي المصباح: «نشر الموتى نشورا حيوا، ونشرهم الله يتعدى ولا يتعدى ويتعدى بالهمزة أيضا فيقال أنشرهم الله ونشرت الأرض نشورا أيضا حييت وأنبتت ويتعدى بالهمزة فيقال أنشرتها إذا أحييتها بالماء» . (مُقْرِنِينَ) مطيقين يقال أقرن الشيء إذا أطاقه، قال ابن هرمة: وأقرنت ما حملتني ولقلما ... يطاق احتمال الصدّ يا دعد والهجر قال الزمخشري: «وحقيقة أقرنه وجده قرينته وما يقرن به لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف» وقال الأخفش وأبو عبيدة: «مقرنين ضابطين وقيل مماثلين في الأيدي والقوة من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة ويقال فلان مقرن لفلان أي ضابط له وأقرنت كذا أي أطقته وأقرن له أي أطاقه وقوي عليه كأنه صار له قرنا قال الله تعالى: «وما كنّا له مقرنين» أي مطيقين، وقال آخرون: وفي أصله قولان أحدهما أنه مأخوذ من الأقران يقال أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق أو أقرنت كذا إذا أطقته وأحكمته كأنه جعله في قرن وهو الحبل فأوثقه به وشده والثاني أنه مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في حبل تقول: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه. * الإعراب: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية وسألتهم فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك والتاء فاعل والهاء مفعول به (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) من اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة خلق السموات والأرض خبر والجملة الاستفهامية في محل نصب مفعول ثان لسألتهم المعلقة عن العمل بالاستفهام (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) اللام واقعة في جواب القسم لأنه المتقدم كما هي القاعدة ويقولنّ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال وقد تقدمت له نظائر والواو المحذوفة فاعل والنون للتوكيد ولو كان مجزوما لكان الحذف للجازم لا لتوالي الأمثال وجملة خلقهنّ مقول القول وكرر الفعل للتأكيد والعزيز فاعل والعليم صفة وسيأتي مزيد من بحث هذه الآية في باب البلاغة (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) اسم الموصول صفة ثانية أو بدل وجملة جعل صلة ولكم متعلقان بجعل على أنها بمعنى خلق وإن كانت بمعنى صير فيكون متعلقا بمحذوف حال والأرض مفعول به أول ومهدا مفعول به ثان أو حال (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا) عطف على ما تقدم ولكم متعلقان بجعل أو في موضع المفعول الثاني وفيها حال وسبلا مفعول به (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لعل واسمها وجملة تهتدون خبرها (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) عطف على الموصول الأول وجملة نزل صلة ومن السماء متعلقان بنزل وماء مفعول به وبقدر في موضع نصب على الحال (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) الفاء عاطفة وأنشرنا عطف على نزل، وفيه التفات سيأتي سره في باب البلاغة، وبه متعلقان بأنشرنا وبلدة مفعول به وميتا صفة لبلدة وكذلك صفة لمصدر محذوف وتخرجون فعل وفاعل (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) عطف أيضا وجملة خلق الأزواج صلة وكلها تأكيد (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) عطف على خلق الأزواج داخل في حيز الصلة ولكم في موضع المفعول الثاني ومن الفلك حال والأنعام عطف على الفلك وما موصول مفعول به وجملة تركبون صلة والعائد محذوف أي ما تركبونه وسيأتي بحث عن فعل الركوب في باب الفوائد (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) اللام للتعليل والجار والمجرور متعلقان بجعل وتستووا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والواو فاعل وعلى ظهوره متعلقان بتستووا، ثم حرف عطف وتذكروا عطف على تستووا ونعمة ربكم مفعول تذكروا وإذا ظرف مستقبل متعلق بجوابه المحذوف والمدلول عليه بتذكروا وجملة استويتم في محل جر بإضافة الظرف إليها وعليه متعلقان باستويتم وذكر الضمير في ظهوره نظرا للفظ ما كما جمع الظهور لذلك (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) وتقولوا عطف على ما تقدم وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف والذي مضاف إليه وجملة سخر صلة ولنا متعلقان بسخر وهذا مفعول به (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الواو للحال وما نافية وكان واسمها وله متعلقان بمقرنين ومقرنين خبر كنا (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) الواو حالية أيضا وسيأتي سرّ هذا الحال في باب البلاغة وإن واسمها وإلى ربنا متعلقان بمنقلبون واللام المزحلقة ومنقلبون خبر إن. * البلاغة: انطوت هذه الآيات على أفانين من البلاغة نوجزها فيما يلي: 1- فأول فن فيها هو الحذف، فقد حذف الموصوف وهو الله تعالى وأقام صفاته مقامه لأن الكلام مجزأ فبعضه من قولهم وبعضه من قول الله تعالى فالذي هو من قولهم خلقهنّ وما بعده هو من قول الله تعالى وأصل الكلام أنهم قالوا خلقهنّ الله بدلالة قوله في آية أخرى: ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله ثم لما قالوا خلقهنّ الله وصف الله تعالى ذاته بهذه الصفات وأقيمت مقام الموصوف كأنه كلام واحد ونظير هذا أن تقول للرجل: من أكرمك من القوم؟ فيقول أكرمني زيد فتقول أنت واصفا له: الكريم الجوّاد المفضال الذي من صفته كذا وكذا. 2- الالتفات: والفن الثاني هو الالتفات فإنه لما وقع الانتقال من كلامهم إلى كلام الله عزّ وجلّ جاء أوله على لفظه الغيبة وآخره على الانتقال منها إلى التكلم في قوله فأنشرنا افتنانا في أفانين البلاغة ولتسجيل المنّة على عباده وقرع أسماعهم بها ومن هذا النمط في القرآن كثير. 3- سرّ الحال: والسر في قوله «وإنا إلى ربنا لمنقلبون» أنه كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو طاح عن ظهرها فهلك وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم ففرقوا فلما كان الركوب بحد ذاته أمرا شديدا لخطورة مجهول المغبة والراكب مستهدف لأنواع المتالف وصنوف المخاطر كان من حقه أن لا ينسى أنه هالك لا محالة، وأنه منقلب إلى الله، ولن يتاح له الإفلات من قضائه إذا حمّ، ومن قدره إذا حلّ، والغاية من كل ذلك أن يكون منتبها إلى نفسه، غير مؤثر لدنياه على آخرته. * الفوائد: من الأسرار التي تدق على الأفهام، مباحث تعدية الأفعال فالعرب يعدّون الفعل الواحد مرة بنفسه ومرة بواسطة، مثل سكرت وأخواته ويعدّون الأفعال المترادفة بآلات مختلفة مثل دعوت وصلّيت فإنك تقول: صلى النبيّ على آل أبي أوفى ولو قلت: دعا على آل أبي أوفى لأفهم عكس المقصود ولكن دعا لآل أبي أوفى، ويعدّون بعضهما إلى مفعولين ومرادفه إلى مفعول واحد كعلم وعرف فلا يترتب على الاختلاف بالتعدّي والقصور والاختلاف في المعنى، ويستنتج من هنا أن ركب باعتبار القبيلين معناه واحد وإن خصّ أحدهما باقتران الواسطة والآخر بسقوطها فالصواب أحد الأمرين، أما تقدير المتعلقين على ما هما عليه لو انفردا فيكون التقدير ما تركبونه وتركبون فيه والأقرب تعليله باعتبار التعدّي بنفسه ويكون هذا من تغليب أحد اعتباري الفعل على الآخر وهو أسهل من التغليب في قوله تعالى «فأجمعوا أمركم وشركاءكم» على أحد التأويلين فيه فإن التباين ثم ثابت بين الفعلين من حيث المعنى أعني جمع الأمر وجمع الشركاء ولكن لما تقاربا غلب أحدهما على الآخر ثم جعل المغلب هو المتعدي بنفسه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب