الباحث القرآني

* الإعراب: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) كلام مستأنف لبيان سعة ملكه سبحانه، والملك بالضم الاستيلاء على الشيء والتصرّف به حسب المشيئة. ولله خبر مقدّم وملك السموات والأرض مبتدأ مؤخر وجملة يخلق حال وما مفعول به ليخلق وجملة يشاء صلة (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) يهب فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى ولمن متعلقان بيهب وجملة يشاء صلة وإناثا مفعول به ويهب لمن يشاء الذكور عطف على الجملة الآنفة وجملة يهب لمن يشاء بدل من جملة يخلق ما يشاء بدل مفصل من مجمل (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أو حرف عطف ويزوّجهم فعل مضارع وفاعل مستتر يعود عليه سبحانه ومفعول به وذكرانا وإناثا مفعول به ثان ليزوّجهم على تضمينه معنى التصيير أي يجعل أولاده ذكورا وإناثا بدليل ما بعده، واختار أبو البقاء والخطيب إعراب ذكرانا وإناثا حالين، ويجعل من يشاء عقيما عطف على ما تقدم وعقيما مفعول به ثان حتما وإن واسمها وعليّ خبرها الأول وقدير خبرها الثاني وسيأتي المزيد من بحث هذه الآية في باب البلاغة (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) الواو حرف عطف أو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لبيان كيفية تكليم الله لعباده، وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولبشر خبر كان المقدم وأن ومنصوبها اسمها وإلا أداة حصر ووحيا مصدر واقع موقع الحال أو مفعول مطلق لفعل محذوف وأو حرف عطف ومن وراء حجاب متعلقان بمقدر معطوف على المقدّر العامل في وحيا أي وإلا أن يكلم الله من وراء حجاب أو مسمعا من وراء حجاب، وأو حرف عطف ويرسل معطوف على اسم خالص من التقدير بالفعل وهو قوله وحيا فكأنه قال إلا موحيا أو مرسلا وأن يوحي وحيا أو يرسل رسولا. وقد شغلت هذه الآية المفسرين والنحاة وسنورد لك في باب الفوائد بحثا مسهبا في صددها (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) فيوحي عطف على يرسل وقد قرئا بالرفع على الاستئناف أي فهو يرسل ويوحي وبإذنه متعلقان بيوحي والوحي هو الإلهام والإشارة السريعة وما مفعول به وجملة يشاء صلة وإن واسمها وخبراها (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) الكاف نعت لمصدر محذوف أي مثل إيحائنا إلى غيرك وإليك متعلقان بأوحينا وروحا مفعول به ومن أمرنا نعت لروحا وقيل حال ومن تبعيضية أي حال كون هذا الروح وهو القرآن بعض ما نوحيه إليك لأن الموحى إليه لا ينحصر في القرآن (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) الجملة حال من الكاف في إليك وما استفهامية معلقة لتدري عن العمل في محل رفع مبتدأ والكتاب خبر والجملة في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي تدري ولا الإيمان عطف على الكتاب (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) الواو حالية أو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل وجعلناه فعل وفاعل ومفعول به ونورا مفعول به ثان وجملة نهدي به صفة لنورا ومن مفعول به وجملة نشاء صلة ومن عبادنا حال (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الواو عاطفة وإن واسمها واللام المزحلقة وجملة تهدي خبر ومفعول تهدي محذوف أي كل إنسان مكلف وإلى صراط مستقيم متعلقان بتهدي (صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) صراط الله بدل من الأول بدل المعرفة من النكرة والذي نعت لله وبه خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وفي السموات متعلقان بمحذوف صلة وما في الأرض عطف على ما في السموات (أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ألا أداة تنبيه وإلى الله متعلقان بتصير والأمور فاعل والمراد بالصيرورة هنا الديمومة. * البلاغة: قد تستوعب هذه الآيات ما يعدل الصحائف التي استغرقتها السورة بكاملها ولكننا سنوجز قدر الطاقة مع تفادي الإخلال: ففي قوله «يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم» الآية فن صحة التقسيم وقد تقدم الإلماع إليه وأنه استيفاء المتكلم جميع أقسام المعنى الذي هو شارع فيه بحيث لا يغادر منه شيئا فانه سبحانه إما أن يفرد العبد بهبة الإناث، أو بهبة الذكور، أو بهما جميعا، أو لا يهبه شيئا فقد وقعت صحة التقسيم في هذه الآية على الترتيب الذي تستدعيه البلاغة وهو الانتقال في نظم الكلام ورصفه من الأدنى إلى الأعلى فقدّم هبة الإناث وانتقل إلى هبة الذكور ثم إلى هبة المجموع، وجاء في كل قسم من أقسام العطية بلفظ الهبة وأفرد معنى الحرمان بالتأخير لأن إنعامه على عباده أهمّ عنده، وتقديم الأهم واجب في كل كلام بليغ، والآية إنما سيقت للاعتداد بالنعم وإنما أتى بذكر الحرمان ليتكمل التمدح بالقدرة على المنع كما يمدح بالعطاء فيعلم أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وعدل من لفظ الحرمان والمنع إلى لفظ هو ردفه وتابعه وهو لفظ الجعل، وسيأتي ما يشبهه في سورة الواقعة مع مزيد من التفصيل فانظره هناك. هذا وهناك من الطباق ما لا يخفى مما تقدم بحثه كثيرا. * الفوائد: 1- قبل أن نورد لك قاعدة نحوية هامة نورد ما قاله أعلام المفسرين والنحاة في إعراب قوله «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا» الآية. وإليك خلاصة ما قاله الزمخشري: وما صحّ لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على ثلاثة أوجه: 1- إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام. 2- وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه لأنه في ذاته غير مرئي. 3- وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة. إلى أن يقول «ووحيا وأن يرسل مصدران واقعان موقع الحال لأن أن يرسل في معنى إرسالا ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضا كقوله تعالى: وعلى جنوبهم والتقدير: وما صحّ أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا» إلى أن يقول: «ومن جعل وحيا في معنى أن يوحي وعطف يرسل عليه على معنى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أي بأن يوحي أو بأن يرسل فعليه أن يقدر قوله أو من وراء حجاب تقديرا يطابقهما عليه نحو أو أن يسمع من وراء حجاب وقرىء أو يرسل رسولا فيوحي بالرفع على أو هو يرسل أو بمعنى مرسلا عطف على وحيا في معنى موحيا» . أما عبارة السمين: «قرأ نافع يرسل برفع اللام وكذلك فيوحي فسكنت ياؤه والباقون بنصبها فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه: 1- أحدها أنه رفع على إضمار مبتدأ أي أو هو يرسل. 2- والثاني أنه عطف على وحيا على أنه حال لأن وحيا في تقدير الحال أيضا فكأنه قال إلا موحيا أو مرسلا. 3- الثالث أن يعطف على ما يتعلق به من وراء إذ تقديره أو يسمع من وراء حجاب ووحيا في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدّر المعطوف عليه أو يرسل والتقدير إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا. وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه: 1- أحدها: أن يعطف على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب إذ تقديره أو يكلمه من وراء حجاب وهذا الفعل المقدّر معطوف على وحيا والمعنى إلا بوحي أو إسماع من وراء حجاب أو إرسال رسول ولا يجوز أن يعطف على يكلمه لفساد المعنى، قلت إذ يصير التقدير وما كان لبشر أن يرسله الله رسولا فيفسد لفظا ومعنى، قال مكّي: لأنه يلزم منه نفي الرسل ونفي المرسل إليهم. 2- الثاني: أن ينصب بأن مضمرة وتكون هي وما نصبته معطوفين على وحيا ووحيا حال فتكون هنا أيضا حالا والتقدير إلا موحيا أو مرسلا. 3- الثالث: أنه عطف على معنى وحيا فإنه مصدر مقدر بأن والفعل والتقدير إلا بأن يوحى إليه أو بأن يرسل، ذكره مكّي وأبو البقاء. وقوله أو من وراء حجاب، العامة على الإفراد وابن أبي عبلة حجب جمعا وهذا الجار يتعلق بمحذوف تقديره أو يكلمه من وراء حجاب، وقد تقدم أن هذا الفعل معطوف على معنى وحيا أي إلا أن يوحي أو يكلمه، قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يتعلق من بيكلمه الموجودة في اللفظ لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعد إلا ثم قال: من متعلقة بيكلمه لأنه ظرف والظرف يتسع فيه» . وقال أبو البقاء: «ولا يجوز أن يكون معطوفا على أن يكلمه لأنه يصير معناه ما كان لبشر أن يكلمه الله ولا أن يرسل إليه رسولا وهذا فاسد» . 2- نصب الفعل المضارع جوازا: ينصب الفعل المضارع جوازا بأن مضمرة بعد أحرف خمسة وهي: اللام الجارّة إذا لم يسبقها كون ناقص ماض منفي ولم يقترن الفعل بلا فإن سبقت اللام بالكون المذكور وجب إضمار أن وإن قرن الفعل بلا نافية أو زائدة مؤكدة وجب إظهارها لئلا يتوالى مثلان وهما لام كي ولام لا من غير إدغام وهو ركيك في الكلام نحو «لئلا يكون للناس عليكم حجة» بإدغام النون في لا النافية ونحو «لئلا يعلم أهل الكتاب» بإدغام النون في لا الزائدة المؤكدة وتسمى هذه اللام لام كي ولام العاقبة ولام التوكيد، والأحرف الأربعة الباقية من الأحرف الخمسة التي تضمر أن بعدها جوازا هي الواو وأو وثم والفاء إذا كان العطف بها على اسم ليس في تأويل الفعل وهو نوعان مصدر وغيره فغير المصدر كقول حصين بن حمام المري: ولولا رجال من رزام أعزة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما فأسوءك معطوف على رجال وهو ليس في تأويل الفعل، ورزام حيّ من نمير، وعلقما منادى مرخم، والمصدر نحو: «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا في قراءة غير نافع بالنصب بإضمار أن بعد أو والتقدير إلا وحيا أو إرسالا ووحيا مصدر ليس في تأويل الفعل، وقول ميسون بنت بجدل الكلابية زوج معاوية بن أبي سفيان وأم ابنه يزيد: ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف فتقرّ منصوب بأن مضمرة جوازا وهي والفعل في تأويل مصدر مرفوع بالعطف على لبس بالواو العاطفة على قولها قبله: لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحبّ إليّ من قصر منيف ويقال قرّت عينه تقرّ إذا كان دمعها نادرا ولا يكون ذلك إلا في الفرح وهو مشتق من القرّ ويقال سخنت إذا كان دمعها حارّا ولا يكون إلا في الترح، وقوله: لولا توقع معتر فأرضيه ... ما كنت أوثر أترابا على أتراب فأرضيه منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الفاء وان وأرضى في تأويل مصدر معطوف على توقع والتقدير لولا توقع معتر فإرضائي إياه وتوقع ليس في تأويل الفعل والمعتر المعترض للمعروف والأتراب جمع ترب بكسر التاء وهو من يولد معك في الوقت الذي تولد فيه فيساويك في سنك والمعنى لولا توقع من يصرف عن فعل المعروف وإرضاؤه ما آثر الشاعر المساوي لغيره في السن على المساوي له في سنّه، وقول أنس بن مدركة الخثعمي: إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر فأعقله مضارع عقل منصوب بأن مضمرة جوازا بعد ثم وأن وأعقله في تأويل مصدر معطوف على قتلي والتقدير وقتلي سليكا ثم عقلي إياه وقتلي ليس في تأويل الفعل، وسليكا بالتصغير اسم رجل مفعول قتلي وكالثور خبر إن والمراد بالثور ذكر البقر لأن البقر تتبعه فإذا عاف الماء عافته فيضرب ليرد الماء فترد معه واعقله من عقلت القتيل: أعطيت ديّته، ولأبي العلاء رأي طريف في الثور قال هو ثور الطحلب وهو الذي يعلو على الماء فيصدر البقر عنه فيضرب به صاحب البقر ليفحص عن الماء فيشربه قال: وسمّاه بالثور وذكره مع البقر ليلغز به على السامع، على أن هذا محض تكلّف والصواب الأول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب