* الإعراب:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) أم حرف عطف وهي منقطعة بمعنى بل ويقولون فعل مضارع مرفوع وجملة افترى مقول القول وعلى الله متعلقان بافترى وكذبا مفعول به (فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) الفاء استئنافية أو عاطفة وإن شرطية ويشأ فعل الشرط والله فاعل ويختم جواب الشرط وعلى قلبك متعلقان بيختم وقد اختلف في معنى الختم فقال الزمخشري: «فإن يشإ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل ما لهم، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم» وهذا كلام جميل فيه نفح من البلاغة مسكر وقال الجلال «فإن يشإ الله يختم: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم بهذا القول وغيره وقد فعل فمشيئة الختم هنا مقطوع بوقوعها» وهذا كلام جميل أيضا وارد في هذا المقام (وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) كلام مستأنف غير داخل في جزاء الشرط لأنه تعالى يمحو لباطل مطلقا وقد سقطت الواو لفظا لالتقاء الساكنين وسقطت في بعض المصاحف خطأ حملا له على اللفظ، ويمحو الله الباطل فعل مضارع وفاعل ومفعول به ويحقّ الحق عطف على يمحو الله الباطل وبكلماته متعلقان بيحق وإن واسمها وعليم خبرها وبذات الصدور متعلقان بعليم (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان قبول التوبة إذا استوفت شروطها الثلاثة إذا كانت المعصية بين العبد وربه وهي: 1- الإقلاع عن المعصية 2- الندامة على فعلها 3- العزم على عدم العودة إليها أبدا، فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي أضيف إليها شرط رابع وهو 4- أن يبرأ من حق صاحبها، وهناك مباحث مطولة تتعلق بالتوبة يرجع إليها في المطولات. وهو مبتدأ والذي خبر وجملة يقبل التوبة صلة وعن عباده متعلقان بالتوبة و «عن» هنا إما بمعنى «من» أو أن القبول يتعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة فتلضمنه معنى الأخذ يتعدى بمن، يقال قبلته منه أي أخذته، ولتضمنه معنى الإبانة والتفريق يتعدى بعن، يقال قبلته عنه أي أزلته وأبنته عنه، وسيأتي كلام لطيف لعلي بن أبي طالب في التوبة في باب الفوائد، ويعفو عن السيئات عطف على ما تقدم وكذلك قوله ويعلم ما تفعلون وقرئ بالياء (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) الواو عاطفة ويستجيب فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره يعود على الله تعالى والذين نصب بنزع الخافض أي ويستجيب للذين آمنوا فحذف الجار كما حذف في قوله «وإذا كالوهم» أي يثيبهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلا، وأجاز السمين أن يكون اسم الموصول فاعلا أي يجيبون ربهم إذا دعاهم والسين والتاء زائدتان وأجاز أن يكون مفعولا به بعد أن تقررت زيادة السين والتاء أي يجيب الله الذين آمنوا والأول أقوم. وعملوا الصالحات عطف على آمنوا دخل في حيز الصلة ويزيدهم عطف أيضا ومن فضله متعلقان بيزيدهم وإلى هذا الأخير ذهب السيوطي وأبو البقاء (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) الكافرون مبتدأ ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وشديد نعت والجملة خبر الكافرون.
* الفوائد:
التوبة وكلمة سيدنا علي: روى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبّر، فلما فرغ من صلاته قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك تحتاج إلى التوبة، فقال يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطّاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكة» .
وأخرج الأصبهاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: النادم ينتظر من الله الرحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعلموا عباد الله أن كلّ عامل سيقدم على عمله ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله، وسوء عمله وإنما الأعمال بخواتيمها، والليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة، ولا يغترن أحدكم بحلم الله عزّ وجلّ فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره» .
ومعنى الشراك: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وهذا على سبيل التقريب والتفهيم إلى أن النعيم والعذاب مدرك بسرعة وبعد خروج الروح يرى المؤمن الطائع ثوابه، والعاصي عقابه، فالعاقل من تاب إلى الله وأسرع في الطاعة وجد في العبادة ولا يعلم انتهاء العمر إلا الله، فالنبي يرغّب المؤمن في التوبة رجاء إدراك رحمة الله وثوابه ويبغضه بالقنوط وينفره من الكبر والغرور كما قال تعالى: «اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» .
هذا وقد صوّر المتنبي التوبة والجنوح إلى المثل الأعلى بقوله الممتع:
ومن يجد الطريق إلى المعالي ... فلا يذر المطي بلا سنام
ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام
{"ayahs_start":24,"ayahs":["أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰاۖ فَإِن یَشَإِ ٱللَّهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَیَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَـٰطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","وَهُوَ ٱلَّذِی یَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَیَعۡفُوا۟ عَنِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ وَیَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ","وَیَسۡتَجِیبُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَیَزِیدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱ"],"ayah":"أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰاۖ فَإِن یَشَإِ ٱللَّهُ یَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَیَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَـٰطِلَ وَیُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}