الباحث القرآني
* اللغة:
(حم) : تقدم القول في أوائل السور بما يغني عن المزيد ونضيف هنا الآن ما قاله الجوهري: «وآل حم سور في القرآن فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب» وقال أبو عبيدة: «الحواميم سور في القرآن على غير قياس» قال «والأولى أن تجمع بذوات حم» ويتلخص من هذا أن هذه السور السبع تسمى الحواميم وتسمى آل حم وتسمى ذوات حم فلها جموع ثلاثة خلافا للجوهري الذي أنكر الأول وقال الكميت يمدح آل البيت:
وجدنا لكم في آل حم آية ... تأولها منا تقي ومعرب
فهو بمعنى ذوات أي في السور المنسوبة إلى هذا اللفظ ومن المعلوم أن لفظ آل كما يطلق على الأهل يطلق بمعنى ذو فيذكر قبل ما لا يصح تثنيته وجمعه من الأسماء المركبة المركبة ونحوها كتأبط شرا، فإذا أرادوا تثنيته وجمعه وهو جملة لا يتأتى فيها ذلك ولم يعهد مثله في كلام العرب زادوا قبله لفظ آل أو ذو فقالوا: جاءني آل تأبط شرا أو ذو تأبط شرا أي الرجلان أو الرجال المسمون بذلك ومنه آل حم بمعنى الحواميم في قول الكميت الآنف الذكر.
(التَّوْبِ) : في المختار: «التوب الرجوع عن الذنب وبابه قال وتوبة أيضا وقال الأخفش التوب جمع توبة كدوم ودومة» .
(الطَّوْلِ) : الفضل والزيادة والانعام الواسع في الصحاح:
«والطول بالفتح: المن يقال منه طال يطول من باب قال إذا امتن عليه» وقال الماوردي: «الفرق بين المن والفضل أن المن عفو عن ذنب والتفضل إحسان غير مستحق» .
* الإعراب:
(حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) تقدم القول في إعراب فواتح السور وأيسر ما فيه أنها خبر لمبتدأ مضمر أو مبتدأ والخبر ما بعدها، وتنزيل الكتاب مبتدأ ومن الله خبره والعزيز العليم صفتان. (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) هذه صفات أيضا للجلالة وسيأتي في باب الفوائد ما قيل في المغايرة بين بعض الصفات والموصوف من حيث التعريف والتنكير. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) يجوز أن تكون هذه الجملة صفة كما قال أبو البقاء ولكن يرد عليه أن الجملة لا تكون صفة للمعارف ويمكن أن يريد أنه صفة لشديد العقاب فالأولى أن تكون جملة مستأنفة وأن تكون حالا لازمة وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلا، وإليه خبر مقدم والمصير مبتدأ مؤخر. (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ما نافية ويجادل فعل مضارع مرفوع وفي آيات الله متعلقان بيجادل وإلا أداة حصر والذين فاعل وجملة كفروا صلة. (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) الفاء الفصيحة ولا ناهية ويغررك فعل مضارع مجزوم بلا والكاف مفعول به وتقلبهم فاعل وفي البلاد متعلقان بتقلبهم والمعنى إذا ثبت عندك أن المجادلين في آيات الله كفار فلا تغترر بتقلبهم في البلاد بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون بكفرهم.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) كذبت فعل ماض والتاء للتأنيث وقبلهم ظرف متعلق بمحذوف حال وقوم نوح فاعل والأحزاب عطف على قوم نوح وهم قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم ومن بعدهم متعلقان بمحذوف حال. (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) وهمت عطف على كذبت وكل أمة فاعل وبرسولهم متعلقان بهمت واللام للتعليل ويأخذوه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو فاعل والهاء مفعول به ومعنى ليأخذوه ليتمكنوا من الإيقاع به. (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) وحاولوا عطف على همت وبالباطل متعلقان بمحذوف حال وليدحضوا اللام للتعليل ويدحضوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وبه متعلقان بيدحضوا والحق مفعول به، فأخذتهم عطف على جادلوا، فكيف: الفاء عاطفة وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وعقاب اسم كان مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اتباعا لرسم المصحف.
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) الكاف يجوز أن تكون نعتا لمصدر محذوف وقد تقدم تقرير ذلك أكثر من مرة ويحتمل أن تكون خبر لمبتدأ محذوف أي والأمر كذلك وكلمة ربك فاعل وعلى الذين كفروا متعلقان بحقت وأنهم أصحاب النار المصدر المؤول في محل رفع بدل من كلمة ربك أو في محل نصب بنزع الخافض وهو لام التعليل.
* الفوائد:
1- التغاير بين الموصوف والصفة:
من مباحث النحو الجليلة وقوع التغاير، في الظاهر، بين الموصوف والصفة فلقائل أن يقول: كيف جاز وصف المعرفة وهو الله سبحانه بغافر الذنب وقابل التوب وشديد العقاب لأن هذه الثلاث مشتقات، وإضافة المشتق لا تفيده تعريفا فمن ثم وقع التغاير المشار إليه، وقد أجاب سيبويه عن ذلك بقوله: «إن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة» أما الكوفيون فلم يستثنوا الصفة المشبهة أيضا فقالوا في نحو حسن الوجه إنه يجوز أن تصير إضافته محضة، فعلى مذهبهم يصح أن تكون الثلاث نعوتا، وعلى مذهب سيبويه يعرب شديد العقاب بدلا، وفيما يلي تقرير الزمخشري بهذا الصدد قال: «فإن قلت: كيف اختلفت هذه الصفات تعريفا وتنكيرا والموصوف معرفة يقتضي أن يكون مثله معارف؟ قلت: أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين وانه يغفر الذنب ويقبل التوب الآن أو غدا حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون إضافتهما غير حقيقية وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه فكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش وأما شديد العقاب فأمره مشكل لأنه في تقدير شديد عقابه لا ينفك من هذا التقدير وقد جعله الزجاج بدلا وفي كونه بدلا وحده بين الصفات نبو ظاهر والوجه أن يقال لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف ومثل ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن فهي محكوم عليها بأنها من بحر الرجز فإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل، ولقائل أن يقول هي صفات وإنما حذف الألف واللام من شديد العقاب ليزاوج ما قبله وما بعده لفظا فقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل الازدواج.... على أن الخليل قال في قولهم ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك وما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل كذا، أنه على نية الألف واللام كما كان الجماء الغفير على نية طرح الألف، واللام ومما سهل ذلك الأمن من اللبس وجهالة الموصوف. ويجوز أن يقال قد تعمد تنكيره وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى مالا شيء أدهى منه وأمرّ لزيادة الإنذار. ويجوز أن يقال هذه النكتة هي الداعية إلى اختيار البدل على الوصف إذا سلكت طريق الابدال» .
2- نكتة زيادة الواو:
وفي زيادة الواو في قوله وقابل التوب نكتة جليلة وهي إفادة الجمع بين رحمتي مغفرة الذنب وقبول التوب، وروي أن عمر بن الخطاب افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له تتايع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد الله الذي لا إله إلا هو، بسم الله الرحمن الرحيم حم إلى قوله إليه المصير وختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زلّ زلة فسددوه ووفقوه وادعوا له الله أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. قلت:
وما فعله عمر رضي الله عنه يجب أن يكون مثالا يحتذى في حسن الأدب وطريقة الهداية التي تهدي بالتي هي أحسن وتتفادى الغلظة والشدة في القول وسوء التنديد بما يفعله المذنب.
3- الجدال مذموم إلا في الحق:
وفي قوله «ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا» إلماع إلى ما ينطوي عليه الجدال المذموم لادحاض الحق وإطفاء نور الله، أما الجدال في الآيات لإزالة مشكلها وحل ملتبسها ومقارعة العلماء في استنباط معانيها وطرق إعرابها وحسن بيانها فأمر محمود بل هو مطلوب مفروض وعلى هذا الأساس ورد قوله صلى الله عليه وسلم:
«إن جدالا في القرآن كفر» فقد أورده منكرا للتمييز بين جدال وجدال.
4- البدلية في قوله «إنهم من أصحاب النار» :
أعربنا «انهم من أصحاب النار» بدلا من كلمة ربك ولم نوضح نوع البدل والظاهر أنه يصح أن يكون بدلا مطابقا أو بدل اشتمال فإذا نظرنا إلى اللفظ كان مطابقا لاتحاد مدلوله مع مدلول البدل وإذا اعتبرنا المعنى كان بدل اشتمال لأن معناه وعيده إياهم، وحكمه الأزلي بشقائهم.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["حمۤ","تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ","غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِیدِ ٱلۡعِقَابِ ذِی ٱلطَّوۡلِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ","مَا یُجَـٰدِلُ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَلَا یَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِیَأۡخُذُوهُۖ وَجَـٰدَلُوا۟ بِٱلۡبَـٰطِلِ لِیُدۡحِضُوا۟ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَیۡفَ كَانَ عِقَابِ","وَكَذَ ٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ"],"ayah":"كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِیَأۡخُذُوهُۖ وَجَـٰدَلُوا۟ بِٱلۡبَـٰطِلِ لِیُدۡحِضُوا۟ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَیۡفَ كَانَ عِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق