الباحث القرآني

* اللغة: (شِيعَتِهِ) : في المختار: «الشيعة أتباع الرجل وأنصاره» وفي المصباح: «الشيعة: الأتباع والأنصار وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ثم صارت الشيعة اسما لجماعة مخصوصة والجمع شيع سدرة وسدر والأشياع جمع الجمع» وفي الأساس: «شيّعته يوم رحيله وشايعتك على كذا: تابعتك عليه وتشايعوا على الأمر وهم شيعته وشيعه وأشياعه وهذا الغلام شيع أخيه: ولد بعده، وآتيك غدا أو شيعه قال: قال الخليط: غدا تصدّعنا ... أو شيعه أفلا تشيّعنا وأقمت عنده شهرا أو شيع شهر وكان معه مائة رجل أو شيع ذلك ونزلوا موضع كذا أو شيعه، وشاع الحديث والسر وأشاعه صاحبه ورجل مشياع مذياع وقطرت قطرة من اللبن في الماء فتشيع فيه: تفرق، وأشاعت الناقة بولها وأشاعت به وجاءت الخيل شوائع: متفرقة، وتشايعت الإبل وله صهم في الدار شائع ومشاع وشيّع بالإبل وشايع بها: صاح بها ومنه قيل لنفاخ الراعي: الشياع وشايع بهم الدليل فأبصروا الهدى: نادى بهم. ومن المجاز شيعنا شهر رمضان بصوم الستة وشيّعت النار بالحطب وأعطني شياعا كما تقول: شبابا لما تشيّع به وتشبّ، وشيّع هذا بهذا: قوه به، قال الراعي: إليك يقطع أجواز الفلاة بنا ... نصّ تشيعه الصّهب المراسيل ورجل مشيّع القلب: للشجاع، وقد شيّع قلبه بما يركب كلّ هول وشاع في رأسه الشيب وشاعكم الله تعالى بالسلام وشاعكم السلام قال: ألا يا نخلة في ذات عرق ... برود الظل شاعكم السلام» لمحة عن الشيعة: وقول صاحب المصباح: «اسم لجماعة مخصوصة» يقصد الشيعة أقدم الفرق الإسلامية وقد ظهروا بمذهبهم السياسي في آخر عصر عثمان ونما وترعرع في عهد علي وقوام هذا المذهب أن الإمامة ليست من مصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ويتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام ولا يجوز لنبي إغفالها وتفويضها إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويجب أن يكون معصوما عن الكبائر والصغائر وان علي بن أبي طالب كان هو الخليفة المختار من النبي وانه أفضل الصحابة. ولها فرق كثيرة يرجع إليها في الملل والنحل للشهرستاني والفصل في الملل والنحل لابن حزم. (فَراغَ) : مال في خفية وأصله من روغان الثعلب وهو تردده وعدم ثبوته، وفي المختار: «راغ الثعلب من باب قال وروغانا بفتحتين والاسم منه الرواغ بالفتح وأراغ وارتاغ أي طلب وأراد، وراغ إلى كذا مال إليه سرا وحاد، وقوله تعالى: «فراغ عليهم ضربا باليمين أي أقبل وقال الفراء: مال عليهم. وفلان يراوغ في الأمر مراوغة» . (يَزِفُّونَ) : يسرعون في المشي من زفيف النعام ويزفون من أزفّ إذا دخل في الزفيف أو من أزفّه إذا حمله على الزفيف أي يزف بعضهم بعضا، وفي الأساس: «زف العروس إلى زوجها وهذه ليلة الزّفاف، وزف الظليم وزفزف وزفت الريح وزفزفت زفيفا وزفزفة وهي سرعة الهبوب والطيران مع صوت، وريح زفزف، وزفزفته الريح حرّكته وبات مزفزفا، وأنشدني سلامة بن عياش الينبعي بمكة يوم الصّدر: فبتّ مزفزفا قد أنشبتني ... رسيسة ورد بينهم أحاحا لعلمي أن صرف البين يضحي ... ينيل العين قرّتها لماحا ومن المجاز: زفوا إليه: أسرعوا ويقال للطائش الحلم: قد زفّ رأله، وجئته زفة أو زفتين مرة أو مرتين وهي المرة من الزفيف كما أن المرة من المرور» . (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) : صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض تواضعا على مباشرة الأمر بصبر وجلد وفي المصباح: «والجبين ناحية الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها قاله الأزهري وابن فارس وغيرهما فتكون الجبهة بين جبينين وجمعه جبن بضمتين مثل بريد وبرد وأجبنة مثل أسلحة» وفي القاموس: «تله تلا من باب قتل فهو متلول وتليل صرعه أو ألقاه على عنقه وخده» . (الْجَحِيمِ) : النار الشديدة الوقود وقيل كل نار على نار وجمر فوق جمر فهي جحيم، وفي القاموس: «الجحيم النار الشديدة التأجج وكل نار بعضها فوق بعض كالجحمة وتضم، وكل نار عظيمة في مهواة والمكان الشديد الحر كالجاحم، وجحمها كمنعها أوقدها فجحمت ككرمت جحوما وكفرح جحما وجحيما اضطرب والجاحم الجمر الشديد الاشتعال» . * الإعراب: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) الواو عاطفة عطفت القصة الثانية على القصة الأولى ولك أن تجعلها استئنافية فتكون الجملة مستأنفة مسوقة للشروع في قصة إبراهيم بعد قصة نوح. وان حرف مشبه بالفعل ومن شيعته خبرها المقدم واللام المزحلقة وإبراهيم اسمها المؤخر. (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) لك أن تعلق الظرف بفعل محذوف تقديره اذكر ولك أن تعلقه بما في الشيعة من معنى الاشتقاق فهو معمول له لما فيه من معنى المتابعة، وجملة جاء في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاعل مستتر تقديره هو يعود على إبراهيم وربه مفعول به وبقلب متعلقان بجاء وسليم صفة. (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ) الظرف الثاني بدل من الظرف الأول وأجاز أبو البقاء أن يكون ظرفا لسليم أو لجاء وجملة قال في محل جر بالإضافة والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ولأبيه متعلقان بقال وماذا تقدم اعرابها كثيرا فما مبتدأ وذا اسم موصول خبر أو هي بكاملها اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم لتعبدون وجملة تعبدون لا محل لها على الأول وجملة ماذا مقول القول على الثاني. (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي وإفكا في نصبه أوجه أحدها أنه مفعول من أجله أي أتريدون آلهة دون الله إفكا فآلهة مفعول به ودون الله ظرف متعلق بتريدون وقدمت معمولات الفعل اهتماما به لأنه مكافح لهم بأنهم على إفك وباطل وبهذا الوجه بدأ الزمخشري والجلال والثاني أنه مفعول به بتريدون ويكون آلهة بدلا منه جعلها نفس الإفك مبالغة فأبدلها منه وفسره بها والثالث انه حال من فاعل تريدون أي أتريدون آلهة آفكين أو ذوي إفك. (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) الفاء عاطفة وما اسم استفهام للانكار والتوبيخ أي ليس لكم سبب ولا عذر يحملكم على الظن وهو في محل رفع مبتدأ وظنكم خبره وبرب العالمين متعلقان بظنكم وفي البيضاوي: «والمعنى إنكار ما يوجب ظنا فضلا عن قطع يصدّ عن عبادته أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام وهي كالحجة على ما قبله» . (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) الفاء عاطفة ونظر فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو ونظرة مفعول مطلق وفي النجوم متعلق بنظر، قيل الكلام على حذف مضاف أي في علم النجوم ولم يقل إلى النجوم مع أن النظر إنما يتعدى بإلى لأن «في» تأتي بمعنى «إلى» لقوله تعالى «فردوا أيديهم في أفواههم» أي إليها وقيل إن نظر ضمن معنى فكر وهو يتعدى بفي. (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) الفاء عاطفة وقال فعل ماض وفاعل مستتر وإني إن واسمها وسقيم خبرها وإن وما في حيزها في محل نصب مقول القول وسيأتي الكلام في تجويز الكذب على إبراهيم. (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) الفاء عاطفة وتولوا فعل ماض وفاعل وعنه متعلقان بتولوا ومدبرين حال من الواو في تولوا. (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) الفاء عاطفة وراغ فعل ماض وفاعل والى آلهتهم متعلقان براغ فقال عطف على راغ والهمزة للاستفهام ولا نافية وتأكلون فعل مضارع مرفوع وفاعل وجملة الاستفهام مقول القول. (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) ما اسم استفهام مبتدأ ولكم خبر وجملة لا تنطقون في محل نصب على الحال وجملة مالكم مقول قول محذوف والتقدير فلم ينطقوا فقال مالكم لا تنطقون. (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) الفاء عاطفة على محذوف تقديره فلم يجيبوا فراغ وعليهم جار ومجرور متعلقان براغ وضربا مصدر واقع موقع الحال أي فراغ عليهم ضاربا أو مصدر لفعل مقدر أي يضرب ضربا والجملة في محل نصب على الحال وباليمين متعلقان بضربا أو بعامله. (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) الفاء عاطفة وأقبلوا فعل ماض والواو فاعل وإليه متعلقان بأقبلوا وجملة يزفون في محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا ويجوز تعلق إليه به. (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) قال فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي وتعبدون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وما مفعول به وجملة تنحتون صلة والعائد محذوف، ويجوز أن تكون ما مصدرية أي نحتكم، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة أي منحوتكم، وقيل استفهامية للتوبيخ أي وأي شيء تعملون. (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الواو حالية والله مبتدأ وجملة خلقكم خبر والكاف مفعول به والواو عاطفة وما يجوز أن تكون موصولة أو مصدرية وقيل هي استفهامية للتوبيخ أي وأي شيء تعملون وقيل هي نافية أي أن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا، وسيأتي مزيد بحث في هذا التركيب الذي شجر فيه الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة، وجملة والله خلقكم حال ومعناها أتعبدون الأصنام على حالة تنافي ذلك وهي أن الله خالقكم وخالقهم جميعا ويجوز أن تكون الواو استئنافية والجملة مستأنفة. (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) قالوا فعل وفاعل وابنوا فعل أمر والواو فاعل والجملة مقول القول وله متعلقان بابنوا وبنيانا مفعول به، فألقوه عطف على ابنوا وهو فعل أمر والواو فاعل والهاء مفعول به وفي الجحيم متعلقان بألقوه. (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) الفاء عاطفة وأرادوا فعل ماض وفاعل وبه متعلقان بأرادوا وكيدا مفعول به، فجعلناهم عطف على فأرادوا وهو فعل وفاعل ومفعول به أول والأسفلين مفعول به ثان لجعلناهم. (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) الواو عاطفة على محذوف تقديره فخرج من النار سالما وقال، وان واسمها وذاهب خبرها والى ربي متعلقان بذاهب والسين حرف استقبال ويهدين فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء والنون للوقاية وياء الضمير المحذوفة لرعاية الفواصل مفعول به أي سيهديني وسيأتي معنى ذهابه إلى ربه في باب الفوائد. (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) رب منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة وقد تقدمه له نظائر وهب فعل دعاء وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ولي متعلقان بهب ومن الصالحين صفة لمفعول به محذوف أي ولدا من الصالحين. (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) الفاء عاطفة على محذوف تقديره فاستجبنا له، وبشرناه فعل ماض وفاعل ومفعول به وبغلام متعلقان ببشرناه وحليم صفة وفي الكلام إيجاز سيأتي في باب البلاغة. (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) الفاء استئنافية ولما حينية أو رابطة وبلغ فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والظرف متعلق بمحذوف حال وعبارة الزمخشري: «فإن قلت بم يتعلق معه؟ قلت: لا يخلو إما أن يتعلق ببلغ أو بالسعي أو بمحذوف فلا يصح تعلقه ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي. لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانا كأنه لما قال فلما بلغ السعي أي الحد الذي يقدر فيه على السعي قيل مع من فقال مع أبيه والمعنى في اختصاص الأب انه أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده» . (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى) جملة قال لا محل لها لأنها جواب لما ويا حرف نداء وبني منادى مضاف لياء المتكلم وان واسمها وجملة أرى خبرها وفي المنام متعلقان بأرى وإن واسمها وجملة أذبحك خبرها وأن وما بعدها سدت مسد مفعولي رأى الحلمية، فانظر الفاء الفصيحة وانظر فعل أمر وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت وماذا ترى يجوز أن تكون ماذا مركبة استفهامية فتكون منصوبة بتري وما بعدها في محل نصب بانظر لأنها معلقة له ويجوز أن تكون ما استفهامية وذا موصولة فتكون ماذا مبتدأ وخبرا والجملة معلقة أيضا وأن تكون ماذا بمعنى الذي فتكون معمولا لأنظر وترى فعل مضارع من الرأي لا من رؤية العين ولا المتعدية إلى مفعولين بل كقولك هو يرى رأي الخوار. (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) يا حرف نداء وأبت منادى مضاف إلى ياء المتكلم المعوض عنها بالتاء وقد تقدم القول فيها وافيا مرارا والتاء في محل جر لأن المعوض عنه كذلك وافعل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وما اسم موصول مفعول افعل وجملة تؤمر صلة والعائد محذوف تقديره ما تؤمر به فحذف الجار كما حذف في قولك أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ويجوز أن تكون ما مصدرية أي أمرك على إضافة المصدر للمفعول والسين حرف استقبال وتجدني فعل مضارع مرفوع والنون للوقاية والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والياء مفعول به ومن الصابرين في موضع المفعول الثاني. (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وأسلما فعل ماض والألف فاعل أي استسلما وخضعا وانقادا لأمر الله، وتله الواو عاطفة وتله فعل ماض وفاعل مستتر تقديره هو أي إبراهيم والهاء مفعول به وللجبين متعلقان بمحذوف حال وجواب لما محذوف تقديره ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو كان ما كان مما تنطق به الحال. وقال الكوفيون والأخفش الجواب وتله للجبين بزيادة الواو وقيل وناديناه بزيادة الواو أيضا والأول أرجح. (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) الواو عاطفة وناديناه فعل وفاعل ومفعول به وأن مفسرة لأن النداء فيه معنى القول دون حروفه ويا حرف نداء وإبراهيم منادى مفرد علم مبني على الضم. (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) قد حرف تحقيق وصدقت فعل وفاعل والرؤيا مفعول به وإن واسمها وكذلك نعت لمصدر محذوف مقدم على عامله وجملة نجزي المحسنين خبر إن وجملة إنا تعليل لما منّ عليهما من الفرج بعد الشدة والرجاء بعد اليأس. (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) إن واسمها واللام المزحلقة وهو مبتدأ أو ضمير فصل والبلاء خبر هو أو خبر إن والمبين نعت للبلاء. (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الواو عاطفة وفديناه فعل وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة على ناديناه وبذبح جار ومجرور متعلقان بفديناه والذبح اسم ما يذبح كبشا كان أم وعلا وعظيم صفة لذبح. (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) تقدم إعراب نظير هذه الآية ومفعول تركنا محذوف وفي الآخرين صفة لهذا المحذوف أي ثناء حسنا. (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) سلام مبتدأ وعلى إبراهيم خبر وساغ الابتداء بالنكرة لما فيها من معنى الدعاء وجملة سلام على إبراهيم مقول قول محذوف أي يقال له هذا في الآخرين. (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) كذلك نعت لمصدر محذوف ونجزي المحسنين فعل مضارع وفاعل ومفعول به. (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) إن واسمها ومن عبادنا خبر والمؤمنين صفة والجملة تعليلية لا محل لها. (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الواو حرف عطف وبشرناه فعل وفاعل ومفعول به وبإسحاق متعلقان ببشرناه ونبيا حال من إسحق ومن الصالحين صفة لنبيا أو حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ لأن كل نبي لا بد أن يكون صالحا. (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) وباركنا عطف على ما تقدم وعليه متعلقان بباركنا وعلى إسحق عطف على عليه (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) من ذريتهما خبر مقدم ومحسن مبتدأ مؤخر وظالم عطف على محسن ولنفسه متعلقان بظالم ومبين صفة لظالم. * البلاغة: انطوت هذه الآية على فنون شتى نورد أهمها فيما يلي: 1- في قوله «فقال إني سقيم» فن الرمز والإيماء وهو أن يريد المتكلم إخفاء أمر ما في كلامه فيرمز في ضمنه رمزا إما تعمية للمخاطب وتبرئة لنفسه وتنصلا من التبعة وإما ليهتدي بواسطته إلى طريق استخراج ما أخفاه في كلامه وقد كان قوم إبراهيم نجّامين فأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم التنجيم على انه يسقم فقال: إني سقيم أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الأسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى فقال ذلك ليوجسوا خوفا ويتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل، وقد يوهم ظاهر الكلام أنه ارتكب بذلك جريرة الكذب والأنبياء معصومون عنه والصحيح أن الكذب حرام إلا إذا عرض عنه وورّى، ولقد نوى ابراهيم أن من في عنقه الموت سقيم ومنه المثل: «كفى بالسلامة داء» وقال لبيد: كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألا منها الإصباح والإمساء فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء يصف لبيد قوته زمن الشباب ثم ضعف حال المشيب بتتابع الأزمان عليه وانه طلب فسحة الأجل فكانت سبب اضمحلاله. والقناة الرمح استعارها لإقامته أو قوته على طريق الاستعارة التصريحية والليونة، والغمز ترشيح للاستعارة والغمز الجس باليد، ومات رجل فالتف عليه الناس وقالوا مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح من الموت في عنقه وقيل أراد بقوله إني سقيم النفس لكفركم، على أن بعض الناس قد جوزه في المكيدة في الحرب والتقية وإرضاء الزوج والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين وسيأتي المزيد من هذه القصة الفريدة في باب الفوائد. 2- الإيجاز: في قوله «فبشرناه بغلام حليم» إيجاز قصر وقد تقدم تعريفه، فقد انطوت هذه البشارة الموجزة على ثلاث: أن الولد ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وانه يكون حليما، وأي حلم أدل على ذلك من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فلم يضطرب ولم يتخاذل ولم يعترض على مشيئة أبيه بل قال: «ستجدني إن شاء الله من الصابرين» ثم استسلم لذلك ولم يكن ليدور له في خلد أن الله سيفديه وسيهيئ له كبش الفداء. * الفوائد: 1- من هو الذبيح؟ اختلف المفسرون في المأمور بذبحه فعن ابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين انه إسماعيل وحجتهم فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا ابن الذبيحين» وقال له أعرابي يا ابن الذبيحين فتبسم فسئل عن ذلك فقال: إن عبد المطلب لمّا حفر بئر زمزم نذر الله لئن سهل الله له أمرها ليذبحنّ أحد ولده فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا له: أفديناك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل، واحتجوا أيضا بأن الله وصفه بالصبر دون إسحق في قوله تعالى: «وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصابرين» وهو صبره على الذبح، وعن علي بن أبي طالب وابن مسعود والعباس وعطاء وعكرمة وغيرهم أنه إسحق وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى، والحجة فيه أن الله تعالى أخبر خليله ابراهيم حين هاجر إلى الشام بأنه استوهبه ولدا ثم أتبع ذلك البشارة بغلام حليم ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف الذي جاء فيه: «من يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله» وقال الزجاج: «الله أعلم أيهما الذبيحين» وهذا مذهب ثالث وهو الوقف عن الجزم بأحد القولين وتفويض علم ذلك إلى الله تعالى ولعل هذا أولى فإن هذه المسأله ليست من العقائد التي كلفنا بمعرفتها فهيي مما ينفع علمه ولا يضر جهله والله أعلم. هذا وللمفسرين والمؤرخين كلام طويل في قصة الذبح يرجع إليها في المطولات. 2- مناقشة بين أهل السنة والمعتزلة: وهناك مناقشة يجدر بنا تلخيصها بين أهل السنة والمعتزلة لطرافتها ولعلاقتها الوثيقة بالإعراب فقد تساءل الزمخشري حول قوله تعالى: «والله خلقكم وما تعملون» فقال: «كيف يكون الشيء الواحد لله تعالى معمولا لهم، وأجاب بأن هذا كما يقال عمل النجار الباب فالمراد عمل شكله لا جوهره وكذلك الأصنام جواهرها مخلوقة لله تعالى وأشكالها وصورها معمولة لهم فإن قلت: ما منعك أن تكون ما مصدرية لا موصولة ويكون المعنى والله خلقكم وعملكم كما يقول المجبرة» وأجاب: بأن «أقرب ما يبطل به هذا السؤال بعد بطلانه بالحجج العقلية أن معنى الآية يأباه فإن الله تعالى احتج عليهم بأنه خلق العابد والمعبود فكيف يعبد المخلوق المخلوق على أن العابد فيهما هو الذي عمل صورة المعبود» قال: ولو قلت والله خلقكم وعملكم لم يكن للكلام طباق وشيء آخر وهو أن قوله وما تعملون شرحه في قوله أتعبدون ما تنحتون ولا يقال في أن ما هذه موصولة فالتفرقة بينهما تعسف وتعصب» قال: «فإن قلت اجعلها موصولة ومعناها وما تعملونه من أعمالكم وحينئذ توافق الأولى في أنها موصولة فلا يلزمني التفرقة بينهما» وأجاب «بل الإلزامان في عنقك لا يفكهما إلا الإذعان للحق وذلك أنك وان جعلتها موصولة فهي واقعة عندك على المصدر الذي هو جوهر الضم وفي ذلك فكّ للنظم وتبتير كما لو جعلتها مصدرية» . وتعقبه ابن المنير فقال: «يتعين حملها على المصدرية وذلك انهم لم يعبدوا هذه الأصنام من حيث كونها حجارة ليست مصورة فلو كان كذلك لم يتعاونوا في تصويرها ولا اختصوا بعبادتهم حجرا دون حجر فدل أنهم إنما يعبدونها باعتبار أشكالها وصورها التي هي أثر عملهم ففي الحقيقة انهم عبدوا عملهم وصلحت الحجة عليهم بأنهم مثله مع أن المعبود كسب العابد وعمله فقد ظهر أن الحجة قائمة عليهم على تقدير أن تكون ما مصدرية أوضح قيام وأبلغه فإذا ثبت ذلك فليتتبع كلامه بالإبطال أما قوله: إنها موصولة وان المراد بعملهم لها عمل أشكالها فمخالف للظاهر فإنه مفتقر إلى حذف مضاف في موضع اليأس يكون تقديره: والله خلقكم وما تعملون شكله وصورته بخلاف توجيه أهل السنة فإنه غير مفتقر إلى حذف البتة ثم إذا جعل المعبود نفس الجوهر فكيف يطابق توبيخهم ببيان أن المعبود من عمل العابد مع موافقته على أن جواهر الأصنام ليست من عملهم فما هو من عملهم وهو الشكل ليس معبودا لهم على هذا التأويل وما هو معبودهم وهو جوهر الصنم ليس من عملهم فلم يستقر له قرار في أن المعبود على تأويله من عمل العابد وعلى ما قررناه يتضح، واما قوله ان المطابقة تنفكّ على تأويل أهل السنة بين ما ينحتون وما يعملون فغير صحيح فإن لنا أن نحمل الأولى على المصدرية وانهم في الحقيقة انما عبدوا نحتهم لأن هذه الأصنام وهي حجارة قبل النحت لم يكونوا يعبدونها فلما عملوا فيها النحت عبدوها ففي الحقيقة ما عبدوا سوى نحتهم الذي هو عملهم فالمطابقة إذن حاصلة والإلزام على هذا أبلغ وأمتن ولو كان كما قال لقامت لهم الحجة ولقالوا كما يقول الزمخشري مكافحين لقوله والله خلقكم وما تعملون: لا ولا كرامة ولا يخلق الله ما نعمل نحن لأنا علمنا التشكيل والتصوير وهذا لم يخلقه الله، وكانوا يجدون الذريعة إلى اقتحام الحجة» . 3- معنى الذهاب إلى ربه: اختلف في معنى قوله «إني ذاهب إلى ربي سيهدين» والأكثرون على أن هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة أي إني مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه سيهديني سواء السبيل وفي سين الاستقبال إيذان بأن الفعل واقع لا محالة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب