* اللغة:
(الأسحار) جمع سحر كفرس وأفراس: أواخر الليل، وسميت بذلك لما فيها من الخفاء. والسّحر: وقت إدبار الليل وإقبال النهار فهو متنفّس الصبح. واختلف أهل اللغة في تحديده بالضبط فقال الزّجاج وجماعته: إنه الوقت قبل طلوع الفجر، وقال الرّاغب في مفرداته: السحر اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، ثم جعل اسما لذلك الوقت. وأما السّحر بسكونه فهو منتهى قصبة الحلقوم. ومنه قول عائشة رضي الله عنها: «قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري» . ومن مجاز العرب قولهم: انتفخت مساحره، إذا ملّ وجبن.
(القسط) : العدل. يقال أقسط أي عدل، وقسط أي جار، فهو مدح في الرباعي وذم في الثلاثي.
* الإعراب:
(الَّذِينَ يَقُولُونَ) اسم الموصول يجوز فيه الرفع على إنه خبر لمبتدأ محذوف أي: هم الذين، والنصب على المدح بفعل محذوف أي أمدح الذين، والجرّ على أنه بدل من اسم الموصول في الآية السابقة أو نعت له يقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) الجملة مقول القول وربنا منادى محذوف منه حرف النداء، وإن واسمها وجملة آمنا خبرها (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) الفاء للتعليل، لأن الإيمان علة الغفران واغفر فعل أمر للدعاء ولنا متعلقان به وذنوبنا مفعول به (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) الواو حرف عطف وق فعل أمر للدعاء مبني على حذف حرف العلة وحذفت واو المثال كما هي القاعدة، والفاعل أنت ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول وعذاب النار مفعول به ثان (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) الصابرين منصوب على المدح بفعل محذوف وما بعده عطف عليه، وهي في الأصل صفات قطعت عن الوصفية بتوسط واو العطف بينها للدلالة على انفرادهم بأنواع الكمالات كما سيأتي في باب البلاغة والجملة استئنافية (شَهِدَ اللَّهُ) فعل وفاعل والجملة مستأنفة مسوقة لتعداد أصول الدين وفضائله وقد وردت فيها أحاديث كثيرة (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أن وما بعدها في موضع نصب بنزع الخافض أي بأنه، والجار وما بعده متعلقان بشهد وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة فجدد به عهدا (وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) الواو حرف عطف والملائكة عطف على الله وأولو العلم عطف أيضا. ورفع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم (قائِماً بِالْقِسْطِ) حال لازمة من الله أو من الضمير المنفصل الواقع بعد إلا، ولعله أولى. وجاز مجيء الحال بعد معطوفين لأمن الالتباس، فلو لم يؤمن الالتباس لم يجز مجيء الحال، نحو جاء عليّ وخالد ضاحكا لعدم العلم بمن هو الضاحك. وواضح أن القيام بالقسط من خصائص الله تعالى فيكون بمثابة التتمة لكمال الأفعال بعد كمال الذات. وهنا بحث هام سيأتي في باب الفوائد (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تقدم إعرابها (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبران لمبتدأ محذوف تقديره هو ولك أن تعربهما بدلين من «هو» .
* البلاغة:
1- في دخول الواو على الصفات مع أن الموصوف واحد تفخيم للموصوف لأنه إيذان بأن كل صفة مستقلة بمدح الموصوف ثم إن الموصوف ليس واحدا كما يبدو للنظرة العجلى.
2- وفي الآية الأخيرة رد العجز على الصدر، فقد رد «العزيز» إلى تفرده بالوحدانية التي تقتضي العزة، ورد «الحكيم» إلى العدل الذي هو القسط، فهو تعالى حكيم لا يتحيفه جور أو انحراف.
* الفوائد:
1- المثال الذي فاؤه حرف علة إذا بني منه فعل أمر حذفت واوه أو ياؤه، فتقول في وعد: عد فإذا كان لفيفا مفروقا أي إذا كانت فاؤه ولامه حرفي علة أصبح على حرف واحد لأن الحرفين يحذفان، فتقول في وعي: ع، وفي وقى ق وفي وفى ف وفي وأى إ وعلى هذا يتخرج اللغز المشهور الذي يتندر به صغار المعربين وهو:
إن هند المليحة الحسناء ... وأي من أضمرت لخل وفاء
وإيضاحه كما يلي: إن: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والنون نون التوكيد الثقيلة، ومعنى إ: عد، وفعله وأى، أي عدي يا هند وعد امرأة أضمرت الوفاء لخلها. وهند منادى مفرد علم محذوف منه حرف النداء مبني على الضم والمليحة نعت على اللفظ والحسناء نعت ثان لهند على المعنى ووأي مفعول مطلق. وإنما نبهنا إلى إعرابه لنبين أنّ للنحاة المتأخرين أمورا متكلفة يجدر بنا اجتنابها لأنها تفسد الذوق وتعطل الملكة الفنية وهي أشبه بالأعيب.
3- الأصل في الحال أن تكون متنقلة لا ثابته، وتقع وصفا ثابتا في ثلاث مسائل:
آ- أن تكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها، نحو: زيد أبوك عطوفا، فإن الأبوة من شأنها العطف، وذلك مستفاد من مضمون الجملة. أو لعاملها نحو «ويوم أبعث حيا» فإن البعث من لازمه الحياة فمعناها مستفاد من دون ذكرها.
ب- أن يدل عاملها على تجديد ذات صاحبها وحدوثه أو تجدد صفة له، فالأول نحو قولهم: «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» فيديها بدل من الزرافة بدل بعض من كل، وأطول حال ملازمة من يديها ومن رجليها متعلقان بأطول لأنه اسم تفضيل، وعامل الحال خلق، والثاني نحو قوله تعالى «وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا» فالكتاب قديم والإنزال حادث، أي محدث النزول لا الوجود.
ج- أن يكون مرجعها إلى السماع نحو «قائما بالقسط» . على أن بعضهم أعرب «قائما» بأنه نصب على المدح كما في قول امرئ القيس:
إذا قلت: هاتي نوليني تمايلت ... عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل
فهضيم نصب بتقدير أمدح لا حال، لأنها صفة لازمة. بقي الاعتذار عن جهة تأخيره عن المعطوفين فقال التفتازاني كأنها للدلالة على علو مرتبتهما، أي الملائكة وأولي العلم حيث قرنا به تعالى من غير فاصل، فتنبه لهذا الفصل، فله على الفصول الفضل.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ","ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ","شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡعِلۡمِ قَاۤىِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ"}