الباحث القرآني
* اللغة:
(يُفْتَنُونَ) : يختبرون من فتن فلان يفتنه من باب ضرب:
خبره وأحرقه وأضلّه، يقال فتن الصائغ الذهب: أذابه بالبوتقة ليختبره وليميز الجيد من الرديء ويقال فتنه يفتنه من باب ضرب أيضا أعجبه واستماله وأوقعه في الفتنة.
* الإعراب:
(الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ألم تقدم اعرابها والقول فيها وفي فواتح السور، وأحسب الهمزة للاستفهام التقريري أو التوبيخي وحسب فعل ماض ينصب مفعولين قال الزمخشري: «الحسبان لا يصح تعليقه بمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل» ولذلك احتاج إلى مفعولين والناس فاعل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي حسب وأن يقولوا مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض وهو متعلق بمحذوف حال إذا قدر حرف الجر باء، ولك أن تقدر حرف الجر لاما فيكون تعليلا للترك متعلقا به أي لأجل قولهم، وجملة آمنا مقول القول والواو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يفتنون خبر هم والجملة حالية ومعنى الآية أحسب الذين نطقوا بكلمة الشهادة أنهم يتركون غير ممتحنين لا بل يمتحنون ليتبين الراسخ في الدين من غيره، وهذا أحد أعاريب رأيناه أسهلها، ونورد هنا عبارة الزمخشري لنفاستها قال:
«تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتتمة الترك الذي هو بمعنى التصيير كقوله «فتركنه جزر السباع ينشنه» ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فإن قلت: أن يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت كما تقول خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب وقد كان التأديب والمخافة في قولك خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا تعليلين، وتقول أيضا حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا» وسيأتي المزيد من أبحاث هذه الآية في باب الفوائد.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) الواو عاطفة واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وفتنا فعل وفاعل والذين مفعوله ومن قبلهم متعلقان بمحذوف هو صلة الذين والفاء عاطفة واللام موطئة للقسم وليعلمن فعل مضارع مبني على الفتح والله فاعل والذين مفعوله وجملة صدقوا صلة وليعلمن الكاذبين عطف على ما تقدم وسيأتي سر المخالفة بين صدقوا والكاذبين في باب البلاغة والمعنى أن الفتنة والامتحان أمران لا بد منهما لابتلاء الخلق وقد تعرضت لهما الخلائق في مختلف ظروف الزمان والمكان. (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أم منقطعة ومعناها بل وهي للاضراب الانتقالي ولا بد من همزة في ضمنها للتقرير والتوبيخ، وحسب فعل ماض والذين فاعل وجملة يعملون السيئات صلة وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي حسب، قال الزمخشري: «فإن قلت أين مفعولا حسب؟
قلت: اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين كقوله تعالى «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة» ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة ومعنى الاضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الاول لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن انه لا يجازى بمساويه» وساء فعل ماض جامد لإنشاء الذم وفاعله مستتر تقديره هو وما نكرة منصوبة على التمييز وجملة يحكمون صفتها والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم ويجوز أن تعرب ما اسم موصول فاعل وجملة يحكمون صلتها، ويجوز أن تكون مصدرية أي حكمهم وعلى هذا يكون التمييز محذوفا أي ساء حكما حكمهم. (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) من اسم شرط جازم مبتدأ وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسم كان مستتر يعود على من وجملة يرجو خبر كان ولقاء الله مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط، وإن أجل الله ان واسمها واللام المزحلقة وآت خبر إن والواو حرف عطف وهو مبتدأ والسميع العليم خبران لمن، وسيأتي مزيد بحث لهذه الآية في باب البلاغة، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من.
(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) الواو عاطفة ومن شرطية مبتدأ وجاهد فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة للجواب وانما كافة ومكفوفة ويجاهد فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو ولنفسه جار ومجرور متعلقان بيجاهد وإن واسمها واللام المزحلقة وغني خبر إن وعن العالمين متعلقان بغني والجملة تعليلية لما سبق من تقرير أن جهاد الشخص لا يصل منه إلى الله نفع. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) الواو عاطفة والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا واللام موطئة للقسم ونكفرن فعل مضارع مبني على الفتح والفاعل مستتر تقديره نحن والجملة خبر الذين وعنهم متعلقان بنكفرن وسيئاتهم مفعول به. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)
ولنجزينهم عطف على لنكفرن وأحسن مفعول به ثان والذي مضاف اليه وجملة كانوا صلة وجملة يعملون خبر كانوا.
* البلاغة:
1- التعبير بالصيغة الفعلية والصيغة الاسمية:
في قوله تعالى «فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين» مخالفة بين الصيغة الفعلية وهي «صدقوا» والصيغة الاسمية في قوله «الكاذبين» والنكتة في هذه المخالفة أن اسم الفاعل يدل على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه والفعل الماضي لا يدل عليه لأن وقت نزول الآية كانت حكاية عن قوم قريبي عهد بالإسلام وعن قوم مستمرين على الكفر فعبر في حق الأولين بلفظ الفعل وفي حق الآخرين بالصيغة الدالة على الثبات، أما بالنسبة لعلم الله فلا يقال ان فيه تجددا في علم الله تعالى بهم قبل الاختبار وإيهاما بأن العلم بالكائن غير العلم بأنه سيكون، والحق أن علم الله تعالى واحد يتعلق بما لموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه وفائدة ذكر العلم هاهنا وان كان سابقا على وجود المعلوم التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء كأنه قال: لنعلمنهم فلنجازيهم بحسب علمه فيهم.
2- الحذف:
جرينا في اعراب قوله تعالى «من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت» على أن الفاء رابطة لجواب الشرط وان جملة ان أجل الله لآت هو الجواب وساغ وقوعه جوابا للشرط مع أن أجل الله آت لا محالة من غير تقييد بشرط وانه ينعدم بانعدام الشرط ساغ وقوعه جوابا لأننا نعني بلقاء الله تلك الحالة الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت كأنه قال من كان يرجو لقاء الله فإن لقاء الله لآت لأن الأجل واقع فيه اللقاء كما تقول من كان يرجو لقائي فإن يوم الجمعة قريب إذا علم وتعورف انك تقعد للاستقبال يوم الجمعة، هذا ويجوز أن يكون من باب الحذف البلاغي والتقدير فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
* الفوائد:
أطال المعربون في التماس وجوه الاعراب لهذه الآية وهي «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يؤمنون» وقد اخترنا أمثل هذه الوجوه وأدناها إلى المنطق كما أوردنا نص قول الزمخشري فيها وكلا الوجهين سائغ مراد ونريد أن نفصل لك القول في الظن والحسبان وغيرهما من الأفعال التي تسمى «أفعال القلوب» وانما قيل لها ذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، وليس معنى هذا أن كل فعل قلبي ينصب مفعولين بل القلبي ثلاثة أقسام ما لا يتعدى بنفسه نحو فكر في الأمر وتفكر فيه، وما يتعدى لواحد بنفسه نحو عرف الحق وفهم المسألة، وما يتعدى لاثنين بنفسه وهو المقصود بالتسمية وأصل المفعولين المبتدأ والخبر، ورد بعضهم وهو السهيلي هذا القول وقال كيف يكون نحو ظننت زيدا عمرا أصلهما مبتدأ وخبر وأجيب بأن المراد هو التشبيه بدليل أنه يقال: ظننت زيدا عمرا فتبين خلاف فالظن المذكور لتشبيهه به، وأجاب بعضهم بجواب آخر وهو أنه متأول بمعنى ظننت الشيء المسمى بزيد مسمى بعمر كما أن قولك زيد حاتم متأول بمعنى زيد مثل حاتم في المعنى، استمع إلى قول زفر ابن الحارث الكلابي:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... عشية لاقينا جذام وحميرا
فكل بيضاء مفعول حسبنا الأول وشحمة مفعوله الثاني وهو كناية عن أنه كان يظنهم شجعانا فتبينوا بخلاف ذلك وبعد هذا البيت:
فلما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا في الأعنّة خمرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا
إذا عرفت هذا كله فهمت معنى الآية بوضوح أي: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم، وتبجحوا بها، واستطالوا على من سواهم انهم سيتركون غير ممتحنين؟ لا بل سوف يمتحنهم الله بضروب الابتلاء وأنواع المحن حتى يسبر أغوارهم جميعا، ويبلو صبرهم وثبات أقدامهم ورسوخها في الايمان، فليس الايمان كلمات تتردد على الألسنة وحسب لكنه يحتاج إلى عمل أصيل، وجهاد مستمر، ليسفر عملهم عما فيه نفع أمتهم، وجهادهم عن تأثيل أوطانهم.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["الۤمۤ","أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ","وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَسۡبِقُونَاۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ","مَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَـَٔاتࣲۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا یُجَـٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق