* اللغة:
(رَدِفَ) : في القاموس: «ردفه كسمع ونصر تبعه» ولكنه ضمن هنا معنى دنا أو قرب ولذلك عدي باللام أو أن اللام زائدة كما سيأتي في الاعراب وقد عدي بمن أيضا قال:
فلما ردفنا من عمير وصحبه ... تولوا سراعا والمنية تعنق
ردف كتبع يتعدى بنفسه وضمن هنا معنى الدفو فعدي بمن، وأعنق الفرس سار سيرا سريعا سهلا والعنق اسم منه، يقول الشاعر فلما دنونا من عمير وأصحابه للحرب أدبروا مسرعين والحال أن الموت يسرع خلفهم من جهتنا، شبه المنية بالأسد على طريق الاستعارة المكنية فأثبت لها العنق تخييلا كأنهم كانوا تبعوهم برمي النبال.
ويجوز أنه استعار المنية لنفسه وقومه على طريق التصريح أي ونحن نسرع خلفهم فذكر العنق تجريد لأنه يلائم المشبه والعنق ضرب من سير الدواب كما في الصحاح.
وقال ابن الشجري:
معنى ردف لكم تبعكم ومنه ردف المرأة لأنه تبع لها من خلفها ومنه قول أبي ذؤيب.
عاد السواد بياضا في مفارقه ... لا مرحبا ببياض الشيب إذ ردفا
قال الجوهري: وأردفه لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى قال خزيمة بن مالك بن نهد:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
* الإعراب:
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الواو استئنافية والخطاب للنبي ويقولون فعل مضارع وفاعل ومتى اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والوعد بدل وإن شرطية وكنتم فعل الشرط وكان واسمها وصادقين خبرها وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.
(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) عسى ولعل وسوف إذا خوطب بها من هو أكبر منك قدرا فهي بمثابة الجزم بمدخولها وإنما يطلقونها للوقار وعسى فعل ماض جامد من أفعال الرجاء واسمها مستتر تقديره هو وان يكون مصدر مؤول خبرها واسم يكون مستتر تقديره هو وردف فعل ماض ضمن فعل يتعدى باللام وبعض فاعل والذي مضاف اليه وجملة تستعجلون صلة وجملة ردف خبر يكون وقيل إن ردف على بابها بمع تبع واللام زائدة. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) الواو استئنافية وان واسمها واللام المزحلقة وذو فضل خبرها وعلى الناس متعلقان بفضل أو صفة له والواو حالية ولكن حرف استدراك ونصب وأكثرهم اسمها وجملة لا يشكرون خبرها. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وجملة يعلم خبر إن وما مفعول به وجملة تكن صدورهم صلة والعائد محذوف وما يعلنون عطف على ما تكنّ. (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الواو عاطفة وما نافية ومن حرف جر زائد وغائبة مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لدخول النفي عليها، والغائبة كل ما يخفى، سمي الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية فكانت التاء فيهما بمنزلتهما في العافية والعاقبة والنصيحة والرمية والذبيحة في أنها أسماء غير صفات ويجوز أن تكون هذه صفات والتاء فيها للمبالغة كراوية وعلامة ونسابة. وفي السماء والأرض صفة لغائبة وإلا أداة حصر وفي كتاب خبر غائبة ومبين صفة. (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الجملة مستأنفة لبيان نوع آخر من ميزات القرآن وان واسمها والقرآن بدل من اسم الاشارة وجملة يقص خبر إن وعلى بني إسرائيل جار ومجرور متعلقان بيقص وأكثر مفعول به والذي مضاف اليه وفيه متعلقان بيختلفون وجملة يختلفون صلة الذي. (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) عطف على ما تقدم وان واسمها واللام المزحلقة وهدى خبرها ورحمة عطف على هدى وللمؤمنين صفة. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)
إن واسمها وجملة يقضي خبرها والظرف متعلق بمحذوف حال وبحكمه متعلقان بيقضي وهو مبتدأ والعزيز خبر أول والعليم خبر ثان.
* الفوائد:
أحكام التاء المتحركة اللاحقة بالأسماء والصفات:
هذه التاء إحدى علامات التأنيث المختصة بالأسماء لأنه لما كان التأنيث فرعا للتذكير احتاج لعلامة تميزه، على أن العرب قد أنثوا أسماء كثيرة بتاء مقدرة ويستدل على ذلك التقدير بالضمير العائد عليها نحو: «النار وعدها الله الذين كفروا» و «حتى تضع الحرب أوزارها» و «إن جنحوا للسلم فاجنح لها» وبالإشارة إليها نحو: «هذه جهنم» وبثبوتها في تصغير الاسم نحو عيينة وأذينة مصغر عين وأذن من الأعضاء المزدوجة فإن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فإن القاعدة المشهورة هي: أن ما كان من الأعضاء مزدوجا فالغالب عليه التأنيث إلا الحاجبين والمنخرين والخدين فإنها مذكرة، على أن المرجع السماع فإن من المزدوج الكف وهي مؤنثة، وزعم المبرد أنها قد تذكر وأنشد:
ولو كفي اليمين تقيك خوفا ... لأفردت اليمين عن الشمال
ولكن هذا وهم من المبرد فإن اليمين بمنزلة اليمنى فهي مؤنثة.
وقال ابن يسعون: على انه رجع إلى التأنيث فقال تقيك. ونعود إلى طرق الاستدلال فنقول ويستدل على التقدير أيضا بثبوتها في فعله نحو:
«ولما فصلت العير» وبسقوطها من عدده كقول حميد الأرقط يصف قوسا عربية: أرمي عليها وهي فرع أجمع ... وهي ثلاث أذرع وأصبع
فأذرع جمع ذراع وهي مؤنثة بدليل سقوط التاء من عددها وهو ثلاث والواو في قوله «وهي» فرع للحال يقال قوس فرع إذا عملت من رأس القضيب ولم يرد بقوله وإصبع حقيقة مقدار الإصبع ولكنه أشار بذلك إلى كمال القوس كما تقول: الثوب سبع أذرع وزائد تريد أنها موفاة هذا العدد.
والغالب في هذه التاء أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ومن غير الغالب في الأسماء غير الصفات نحو رجل ورجلة وغلام وغلامة وفي الصفات التي تنزل على مقصدين وهي الصفات المختصة بالمؤنث كحائض وطامث فإن قصد بها الحدوث في أحد الأزمنة لحقتها التاء فقيل حائضة وطامثة وإن لم يقصد بها ذلك لم تلحقها فيقال حائض وطامث بمعنى ذات أهلية للحيض والطمث.
وقال في المفصّل: «للبصريين في نحو حائض وطامث مذهبان:
فعند الخليل انه على النسب كلابن وتامر كأنه قيل ذات حيض وذات طمث، وعند سيبويه أنه مؤول بانسان أو شيء حائض كقولهم غلام ربعة على تأويل النفس وانما يكون ذلك في الصفة الثابتة وأما الحادثة فلا بد لها من علامة التأنيث فتقول حائضة وطالقة الآن أو غدا» وقد أوضحنا الفرق بين الصفة الحادثة والثابتة في الكلام عن قوله تعالى «يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت» بأن المرضع هي التي من شأنها الإرضاع والمرضعة هي التي في حالة الإرضاع ملقمة ثديها للصبي فانظره هناك.
وقال في المفصل: «إن مذهب الكوفيين ان حذف التاء في حائض للاستغناء عنها» وهذا يوجب اثبات التاء في محل الالتباس كضامر وعاشق وأيم وثيّب وعانس وهذا الاعتراض بيّن، وأما الاعتراض بإثبات التاء في الصفات المختصة بالإناث من امرأة مصيبة وكلبة مجرية على ما في الصحاح فليس بسديد لأن ما ذكروه مجوز لا موجب لأنهم يقولون الإتيان بالتاء في صورة الاستغناء عن الأصل كحاملة في المرأة، قال الجوهري في الصحاح: يقال امرأة حامل وحاملة إذا كانت حبلى، فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون إلا للإناث، ومن قال حاملة بناء على حملت فهي حاملة، وأنشد لعمرو بن حسان:
تمخضت المنون له بيوم ... أتى ولكل حاملة تمام
فإذا حملت شيئا على ظهرها أو على رأسها فهي حاملة لا غير.
هذا ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان:
1- فعول بفتح الفاء بمعنى فاعل كرجل جسور وامرأة جسور «وما كانت أمك بغيّا» وقد سبق ذكرها في سورة مريم.
2- فعيل بمعنى مفعول نحو رجل جريح وامرأة جريح، فإن قلت مررت بقتيلة بني فلان ألحقت التاء خشية الالتباس بالمذكر لأنك لم تذكر الموصوف.
3- مفعال بكسر الميم نحو منحار يقال رجل منحار وامرأة منحار.
4- مفعيل بكسر الميم كمعطير من العطر وشذّ امرأة مسكينة وسمع امرأة مسكين على القياس.
5- مفعل كمغشم وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته.
تاء الفصل: وتأتي التاء لفصل واحد من الجنس كتمرة وتمر، أو فصل الجنس من الواحد نحو كماة وليس منه سيارة في قوله تعالى «وجاءت سيارة» فإنها جمع سيار لا من أسماء الأجناس.
تاء العوض: وتاء العوض وهي التي تأتي عوضا من فاء كعدة، أو عين كإقامة، أو لام كسنة، أو من حرف زائد لغير معنى كزنديق وزنادقة فالتاء عوض من ياء زناديق.
تاء التعريب: وتاء التعريب وهي التي تأتي لتعريب الأسماء الأعجمية كموازجة جمع موزج بفتح الميم وسكون الواو وفتح الزاي بعدها جيم وهو الخف أو الجورب والقياس موازج فدخلت التاء في جمعه لتدل على أن أصله أعجمي فعرب.
تاء المبالغة: وتاء المبالغة في الوصف كراوية لكثير الرواية ونسّابة لكثير العلم بالأنساب.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِی تَسۡتَعۡجِلُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَشۡكُرُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَیَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا یُعۡلِنُونَ","وَمَا مِنۡ غَاۤىِٕبَةࣲ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ","إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَقُصُّ عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","وَإِنَّهُۥ لَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ","إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ"],"ayah":"وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}