الباحث القرآني

* اللغة: (أَفْتُونِي) : أشيروا عليّ والفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتا في السنّ والمراد بالفتوى هاهنا الاشارة عليها بما عندهم كما ذكرنا فيما حدث لها من الرأي والتدبير. وفي الأساس: «وفلان من أهل الفتوى والفتيا وتعالوا ففاتونا، وتفاتوا إليه: تحاكموا، قال الطرماح: هلمّ إلى قضاة الغوث فاسأل ... برهطك والبيان لدى القضاة أنخ بفناء أشدق من عديّ ... ومن جرم وهم أهل التفاتي وقال عمر بن أبي ربيعة: فبتّ أفاتيها فلا هي ترعوي ... بجود ولا تبدي إباء فتبخلا أي أسائلها» . هذا ويجوز ضم الفاء وفتحها كما جاء في أدب الكاتب لابن قتيبة قال: «قالوا: فتوى وفتيا وبقوى وبقيا وثنوى وثنيا ورعوى ورعيا» . (أُولُوا قُوَّةٍ) : اسم جمع بمعنى أصحاب، والواحد ذو بمعنى صاحب وقيل جمع ذو على غير لفظه وقد تقدم أنها من الملحقات بجمع المذكر السالم والمؤنث أولات وواحدتها ذات تقول: جاء أولو العلم وأولات الفضل. * الإعراب: (قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) كلام مستأنف مسوق للإجابة عن سؤال نشأ عن حكاية الهدهد وجملة سننظر مقول القول والهمزة للاستفهام وصدقت فعل وفاعل وأم متصلة معادلة للهمزة وكان واسمها ومن الكاذبين خبرها وعدل عن الفعل المطابق لما قبله إلى الاسم لنكتة بلاغية تقدمت الاشارة إليها أكثر من مرة. وهي جعله واحد من الفئة الموسومة بالكذب. (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) لا بد من تقدير كلام محذوف لتتناسق حوادث القصة أي ثم دلهم على الماء فاستخرجوه وارتووا وتوضئوا وصلوا، ثم كتب سليمان كتابا هذه صورته: من عبد الله سليمان إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين ثم ختمه بخاتمه، ثم قال للهدهد: اذهب، فالجملة مقول قول محذوف، واذهب فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وبكتابي متعلقان باذهب وهذا نعت لكتابي أو بدل منه، فألقه الفاء عاطفة وألقه فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وأنهم متعلقان بألفه ثم حرف عطف وتول فعل أمر على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بمحذوف حال أي متجاوزا إياهم إلى مكان قريب تتوارى فيه ليكون ما يقولونه بمسمع منك، فانظر عطف على تول، وماذا يرجعون: في هذا التعبير وجهان: أولهما: أن تكون انظر بمعنى تأمل وتفكر فتكون ماذا اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم ليرجعون تقديره أي شيء يرجعون، أو تجعل ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول بمعنى الذي خبر ما وجملة يرجعون صلة ذا والعائد محذوف تقديره أي شيء الذي يرجعونه، وعلى كلا التقديرين فالجملة الاستفهامية قد علق عنها العامل وهو انظر بالاستفهام فمحلها النصب على نزع الخافض أي انظر في كذا وفكر فيه. وثانيهما: أن تكون انظر بمعنى انتظر من قوله تعالى: «انظرونا نقتبس من نوركم» فتكون ماذا كلها اسم موصول وهو أحد أوجه ماذا التي ستأتي في باب الفوائد وهي مفعول به أي انتظر الذي يرجعونه وجملة يرجعون صلة والعائد محذوف كما تقدم والمعنى ماذا يردون من الجواب أو ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول. (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) لا بد من تقدير كلام محذوف روعي في حذفه الإيجاز وتقديره كما قال مقاتل: «حمل الهدهد الكتاب بمنقاره وطار حتى وقف على رأس المرأة وحولها الجنود والعساكر فرفرف ساعة والناس ينظرون فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها وسيأتي مزيد من الروايات في تقدير هذا المحذوف. وإني إن واسمها وجملة ألقى خبرها وإليّ متعلقان بألقي وكتاب نائب فاعل وكريم صفة وسيأتي سر هذا الوصف في باب البلاغة. (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على سؤال مقدر كأنهم قالوا ممن هو؟ وما هي منطوياته؟ فقالت أنه من سليمان وان واسمها ومن سليمان خبرها وانه الواو عاطفة وان واسمها وجملة البسملة خبرها وقد تقدم اعراب البسملة في صدر هذا الكتاب. (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أن مفسرة والمفسر كتاب لتضمنه معنى القول دون حروفه ولا ناهية وتعلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وعليّ متعلقان بتعلوا ويجوز أن تكون أن مصدرية ناصبة للفعل ولا نافية وأن وما في حيزها مصدر مؤول في محل رفع بدل من كتاب أو خبر لمبتدأ محذوف أي مضمونه أن لا تعلوا أو في محل نصب بنزع الخافض أي بأن لا تعلوا، وأتوني الواو عاطفة وائتوني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به ومسلمين حال. (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أفتوني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به وفي أمري متعلقان بأفتوني. (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) ما نافية وكنت قاطعة كان واسمها وخبرها وأمرا مفعول به وحتى حرف غاية وجر وتشهدون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وعلامة نصب حذف النون والنون الموجودة نون الوقاية وياء المتكلم المحذوفة مفعول به. (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) جملة نحن مقول القول ونحن مبتدأ وأولو خبر وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وقوة مضاف اليه وأولو بأس شديد عطف على ما تقدم. (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ) الواو حرف عطف والأمر مبتدأ وإليك خبر أي موكول إليك ونحن مطيعون لك، فانظري الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن مقدر كأنما تصوروا أنها قد تكون راغبة في القتال أو أنهم راغبون فيه فإن أردت ذلك وعزمت على خوض الحرب فنحن أبناء بجدتها وانظري أي فكري وماذا اسم استفهام وقد تقدم اعرابها وستأتي وجوهها وهي هنا في محل نصب مفعول مقدم لتأمرين والاستفهام معلق للنظر. * البلاغة: في هذه المحاورة التي جرت بين بلقيس وبين الملأ من قومها وفي الوصف لكتاب سليمان بعد ذكر العنوان والتسمية فنون عديدة نورد أهمها فيما يلي: 1- الاشارة: وهذا الفن سبقت إليه الاشارة في هذا الكتاب وقد فرعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى وشرحه فقال: هو أن يكون اللفظ القليل دالا على المعنى الكثير حتى تكون دلالة اللفظ كالإشارة باليد فإنها تشير بحركة واحدة إلى أشياء كثيرة، والفرق بينه وبين الإيجاز أن الإيجاز بألفاظ المعنى الموضوعة له وألفاظ الإشارة لمحة خاطفة دالة، فدلالة اللفظ بالإيجاز دلالة مطابقة ودلالة اللفظ في الاشارة إما دلالة تضمن أو دلالة التزام، والدلالة هنا دلالة تضمن، فقد وصفت كتاب سليمان بالكرم لأنه من عند ملك كريم أو لأنه مختوم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كرم الكتاب ختمه» وعن ابن المقفع من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. وروي أنها كانت راقدة وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل الهدهد من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية وقيل نقرها فانتبهت فزعة، فلما رأت الخاتم ارتعدت وقالت لقومها ما قالت. 2- الإيجاز: في قولهم: «قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين» إيجاز عجيب فهو أولا يدل على تعظيم المشورة وتعظيم بلقيس أمر المستشار، وهو ثانيا يدل على تعظيمهم أمرها وطاعتها وفي قولهم «والأمر إليك» وقولهم «فانظري ماذا تأمرين» إيجاز يسكر الألباب، قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: «فإن الكلام قد يفسده الاختصار ويعميه التخفيف منه والإيجاز، وهذا مما يزيده الاختصار بسطا لتمكنه ووقوعه موقعه ويتضمن الإيجاز منه تصرفا يتجاوز محله وموضعه» إلى أن يقول: «وأنت لا تجد في جميع ما تلونا عليك إلا ما إذا بسط أفاد وإذا اختصر كمل في بابه وجاد وإذا سرح الحكيم في جوانبه طرف خاطره وبعث العليم في أطرافه عيون مباحثه لم يقع إلا على محاسن تتوالى وبدائع تترى» . * الفوائد: عقد ابن هشام في المغني فصلا ل «ماذا» نلخصه فيما يلي ونعرب أمثلته: تأتي ماذا في العربية على أوجه: 1- أن تكون ما استفهامية وذا اشارة نحو ماذا التواني؟ ماذا الوقوف؟ فما اسم استفهام مبتدأ وذا خبر والتواني بدل أو عطف بيان أي: أي شيء هذا التواني؟ 2- أن تكون ما استفهامية وذا موصولة كقول لبيد: ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضي أم ضلال وباطل فما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة يحاول صلة والهمزة للاستفهام ونحب بدل من ما. 3- أن يكون ماذا كله استفهاما على التركيب كقولك لماذا جئت وقوله: يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا فماذا اسم استفهام مركب مبتدأ وبال نسوتكم خبر. 4- أن يكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي على خلاف تخريج قول الشاعر: دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيّب نبئيني فالجمهور على أن ماذا كله مفعول دعي ثم اختلف فقيل موصول بمعنى الذي وقيل نكرة بمعنى شيء وهناك وجهان ذكرهما ابن هشام ولم نر حاجة إليهما لأنهما لا يقعان في فصيح الكلام.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب