* اللغة:
(الْأَعْجَمِينَ) : قال الزمخشري: الأعجم الذي لا يفصح وفي نسانه عجمة واستعجام والاعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد، وقرأ الحسن: الأعجميين، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها أعجم قال حميد:
ولا عربيا شاقه صوت أعجما قلت: وهذا عجز بيت وصدره:
«ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها» والبيت من أبيات لحميد بن ثور وقد رحلت صاحبته ومنها:
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... دعت ساق حر ترحة وتندما
عجبت لها أنّى يكون غناؤها ... فصيحا ولم تفغر بسنطقها فما
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... ولا عربيا شاقه صوت أعجما
وساق حر مركب إضافي وهو ذكر الحمام مطلقا يقول: وما حرك هذا الشوق وبعثه فتوقد في قلبي إلا حمامة دعت ذكرها، والترحة:
الحزن ضد الفرحة، والتندم: التأسف على ما فات، ويروى وترنما وهو تحسين الصوت وهما نصب على الحالية أي حزينة ومتأسفة أو ذات ترحة وذات تندم، وأنى اسم استفهام بمعنى كيف والاستفهام معناه هنا التعجب وفغر فاه يفغره من باب نفع فتحه أي والحال أنها لم تفتح فمها بنطقها وانما يخرج صوتها من صدرها، وشاقه تسبب له في الشوق، والعربي المفصح والأعجم الذي لا يفصح من الحيوان نقلته العرب لمن لا يفهمون كلامه ولا يفقهون مراده وربما ألحقوه ياء النسب للمبالغة في شدة العجمة، وبينه وبين عربي طباق التضاد.
واستشكل كيف يجمع الأعجم جمع المذكر السالم وهو وصف على وزن أفعل في المذكر وعلى وزن فعلاء في المؤنث وشرط الجمع بالياء والنون أو بالواو والنون أن لا يكون الوصف كذلك، وأجيب بأنه جمع أعجمي بياء النسب وحذفت للتخفيف كأشعرين في أشعري، والكوفيون يجيزون جمع أفعل فعلاء جمع المذكر السالم وقال صاحب التحرير: «قوله على بعض الأعجمين جمع أعجمي ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة» . وعبارة القاموس: «العجم بالضم وبالتحريك خلاف العرب رجل وقوم أعجم والأعجم من لا يفصح كالأعجمي والأخرس وزياد الشاعر والموج لا يتنفس فلا ينضح ماء ولا يسمع له صوت والعجمي من جنسه العجم وان أفصح وجمعه عجم» .
* الإعراب:
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير حقيقة تلك القصص وتأكيد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن إخباره عن الأمم المتقدمة وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب لا يكون إلا عن طريق الوحي والضمير يعود على القرآن لأن هذه القصص جزء منه. وان واسمها واللام المزحلقة وتنزيل رب العالمين خبرها. (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) الجملة صفة لتنزيل وبه في موضع الحال أي ملتبسا به فالباء للملابسة والروح فاعل والأمين صفة وعلى قلبك متعلقان بنزل واللام للتعليل وتكون فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد اللام ومن المؤمنين خبر تكون.
(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) بلسان جار ومجرور متعلقان بالمنذرين لأنه اسم مفعول أي من الذين أنذروا بهذا اللسان العربي وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام، أو انه بدل من قوله به بإعادة العامل أي نزل بلسان عربي أي باللغة العربية. (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) عطف على ما تقدم وان واسمها واللام المزحلقة وفي زبر الأولين خبر إن يعني أن ذكره مثبت في الكتب السماوية.
(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي التقريعي والواو عاطفة على مقدر ولم حرف نفي وقلب وجزم ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ولهم متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لآية وتقدم عليها وآية خبر يكن المقدم وأن يعلمه في تأويل مصدر اسم يكن وعلماء بني إسرائيل فاعل بعلمه. وهؤلاء العلماء هم خمسة قد أخبروا بالقرآن وهم عبد الله بن سلام وأسد وأسيد وثعلبة وابن يامين وقد أسلموا وحسن إسلامهم.
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) الواو عاطفة ولو شرطية امتناعية ونزلناه فعل ماض وفاعل ومفعول به وعلى بعض الأعجمين متعلقان بنزلناه. (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) الفاء عاطفة وقرأه فعل ماض وفاعل مستتر يعود على بعض الأعجمين ومفعول به وعليهم متعلقان بقرأه وجملة ما كانوا مؤمنين لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وبه متعلقان بمؤمنين ومؤمنين خبر كانوا. (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الكاف نعت لمصدر محذوف مقدم أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها وسلكناه فعل وفاعل ومفعول به وفي قلوب المجرمين متعلقان بسلكناه. (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الجملة مستأنفة أو حالية من الهاء في سلكناه أو من المجرمين فعلى الأول تكون الجملة بمثابة الإيضاح والتلخيص لما تقدم وعلى الثاني يكون التقدير سلكناه حالة كونه غير مؤمن به، ولا نافية ويؤمنون فعل مضارع مرفوع وفاعل وبه متعلقان بيؤمنون وحتى حرف غايه وجر ويروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل والعذاب مفعول به والأليم صفة. (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) الفاء حرف للتعقيب قال الزمخشري: «فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله فيأتيهم بغتة فيقولوا ... ؟ قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وانما المعنى ترتبها في الشدة كأنه قيل لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة مع القطع بامتناعها ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه، إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله عقيب مقت الصالحين، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء» وهكذا سبر الزمخشري أغوار القرآن الكريم وألمّ بخفاياه إلمام الخبير بمواقع الأسرار. ويأتيهم معطوف على يروا والفاعل مستتر تقديره هو والهاء مفعول به وبغتة حال والواو واو الحال وهم مبتدأ وجملة لا يشعرون خبر. (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) الفاء عاطفة كما تقدم والكلام كله مقدم من تأخير ويقولوا عطف على يأتيهم وهل حرف استفهام ونحن مبتدأ ومنظرون خبر والجملة مقول القول ومعنى الاستفهام هنا التحسر والاستبعاد لما هو محال وهو إمهالهم بعد حلول العذاب بهم.
* الفوائد:
شروط جمع المذكر السالم:
يشترط في كل ما يجمع جمع المذكر السالم من اسم أو صفة ثلاثة شروط: آ- الخلو من تاء التأنيث فلا يجمع هذا الجمع من الأسماء نحو طلحة، ولا من الصفات نحو علّامة بتشديد اللام لئلا يجتمع فيهما علامتا التأنيث والتذكير.
ب- أن يكون لمذكر فلا يجمع هذا الجمع علم المؤنث نحو زينب ولا صفة المؤنث نحو حائض.
ج- أن يكون لعاقل لأن هذا الجمع مخصوص بالعقلاء فلا يجمع نحو وأشق علما لكلب وسابق صفة لفرس، ثم يشترط أن يكون إما علما غير مركب تركيبا مزجيا ولا استناديا فلا يجمع المركب المزجي نحو معدي كرب وسيبويه، وقيل إن المختوم بويه يجمع هذا الجمع فيقال سيبويهون ومنهم من يحذف وبه فيقول سيبون، أما المركب الاضافي فيجمع أول المتضايفين ويضاف للثاني فيقال غلامو زيد وغلامي زيد، والكوفيون يجمعونهما معا، وأما صفة تقبل التاء المقصود بها معنى التأنيث فلا يجمع هذا الجمع نحو علامة ونسابة لأن التاء فيهما لتأكيد المبالغة لا لقصد معنى التأنيث، أو صفة لا تقبل التاء ولكنها تدل على التفضيل فالصفة التي لا تقبل التاء نحو قائم ومذنب تقول قائمة ومذنبة والصفة التي تدل على التفضيل نحو أفضل فهذه الصفات الثلاث تجمع هذا الجمع كما تجمع بالألف والتاء فيقال قائمون ومذنبون وأفضلون كما يقال قائمات ومذنبات وفضليات، فلا يجمع هذا الجمع نحو جريح بمعنى مجروح وصبور بمعنى صابر وسكران وأحمر وأعجم فإنها لا تقبل التاء ولا تدل على تفضيل لأن جريحا وصبورا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث وسكران مؤنثه سكرى وأحمر مؤنثه حمراء وأعجم مؤنثة عجماء فلا يقال جريحون وصبورون وسكرانون وأحمرون كما لا يقال جريحات وصبورات وسكرانات وحمراوات وعجماوات فلو جعلت أعلاما جاز الجمعان.
{"ayahs_start":192,"ayahs":["وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ","عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ","بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ","وَإِنَّهُۥ لَفِی زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِینَ","أَوَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ ءَایَةً أَن یَعۡلَمَهُۥ عُلَمَـٰۤؤُا۟ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ","وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِینَ","فَقَرَأَهُۥ عَلَیۡهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ مُؤۡمِنِینَ","كَذَ ٰلِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ","لَا یُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ یَرَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ","فَیَأۡتِیَهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","فَیَقُولُوا۟ هَلۡ نَحۡنُ مُنظَرُونَ"],"ayah":"وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}