الباحث القرآني

* اللغة: (كُفْرانَ) : الكفران مصدر الكفر قال في القاموس: «كفر يكفر من باب نصر كفرا وكفرا وكفورا وكفرانا ضد آمن وكفر بالخالق نفاه وعطّل وكفر كفرا وكفورا وكفرانا بنعم الله جحدها وتناساها. (حَدَبٍ) : بفتحتين مرتفع من الأرض ومنه الحدب في الظهر وكل كدية أو أكمة فهي حدبة. (يَنْسِلُونَ) : يسرعون والنسلان مقاربة الخطا مع الاسراع، وفي المصباح: نسل في مشيه نسلانا: أسرع وبابه ضرب وفي القاموس هو من باب ضرب وقتل. (حَصَبُ جَهَنَّمَ) : الحصب المحصوب به أي يحصب بهم في النار والحصب الرمي وفي المختار: «والحصب بفتحتين ما تحصب به النار أي ترمى وكل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به وبابه ضرب ومثله في القاموس. * الإعراب: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ويعمل فعل الشرط ومن الصالحات صفة لمفعول به محذوف أي عملا من الصالحات والواو حالية وهو مبتدأ ومؤمن خبر والفاء رابطة ولا نافية للجنس وكفران اسمها ولسعيه خبر والواو استئنافية أو حالية وان واسمها وكاتبون خبرها وله متعلقان بكاتبون. (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الواو عاطفة من عطف الجمل أو استئنافية وحرام خبر مقدم وعلى قرية متعلقان بحرام وجملة أهلكناها صفة لقرية وان وما في حيزها مبتدأ مؤخر وان واسمها وجملة لا يرجعون خبرها، وقيل لا زائدة وهو قول أبي عبيدة كقوله ما منعك أن لا تسجد، أي يرجعون إلى الايمان والمعنى وممتنع على أهل القرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إلى الايمان إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويصح أن تكون نافية على بابها والتقدير لأنهم لا يرجعون وقال الزجاج: وحرام على قرية أهلكناها حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون ودلّ على هذا المعنى قوله قبل «فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ» أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله. وعبارة ابن هشام في المغني «وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون» فقيل لا زائدة والمعنى ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم لكفرهم انهم يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة وعلى هذا فحرام خبر مقدم وجوبا لأن المخبر عنه أن وصلتها ومثله وآية لهم أنا حملنا ذريتهم لا مبتدأ وان وصلتها فاعل أغنى عن الخبر كما جوز أبو البقاء لأنه ليس بوصف صريح ولأنه لم يعتمد على نفي ولا استفهام وقيل لا نافية والاعراب إما على ما تقدم والمعنى ممتنع عليهم انهم لا يرجعون إلى الآخرة وإما على ان حرام مبتدأ حذف خبره أي قبول أعمالهم وابتدئ بالنكرة لتقييدها بالمعمول واما على انه خبر لمبتدأ محذوف أي والعمل الصالح حرام عليهم وعلى الوجهين فانهم لا يرجعون تعليل على إضمار اللام والمعنى لا يرجعون أعمالهم فيه ودليل المحذوف ما تقدم من قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ» (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) حتى حرف غاية وجر وهي غاية لامتناع الرجوع فهي متعلقة بحرام على انها حرف غاية وجر ويجوز أن تكون ابتدائية وهي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي هنا جملة الشرط والجزاء وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن والجواب الذي تتعلق به إذا محذوف وتقديره قالوا يا ويلنا واختار الزمخشري وغيره أن يكون الجواب هو الفاء الداخلة على إذا الفجائية فإذا جاءت الفاء معها تساندتا وتعاونتا على وصل الجواب بالشرط فيتأكد ولو قيل إذا هي شاخصة أو فهي شاخصة كان سديدا. هذا وقد اختار أبو حيان أن تكون حتى جارة متعلقة بتقطعوا على ما فيه من بعد قال: «وكون حتى جارة متعلقة بتقطعوا فيه من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيد وهو انهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك» وفتحت فعل ماض مبني للمجهول ويأجوج ومأجوج نائب فاعل ولا بد من تقدير مضاف وهو سدهما والواو للحال وهم مبتدأ وخبره جملة ينسلون ومن كل حدب متعلقان بينسلون. (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الواو عاطفة واقترب الوعد فعل وفاعل والحق صفة للوعد والفاء رابطة وإذا الفجائية وقد تقدم بحثها وهي مبتدأ وشاخصة خبر وأبصار الذين كفروا فاعل شاخصة. (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) النداء متعلق بقول محذوف في محل نصب على الحال أي يقولون يا ويلنا احضر فهذا أوانك وقد حرف تحقيق وكان واسمها وفي غفلة خبرها ومن هذا متعلقان بغفلة، بل حرف إضراب وكان واسمها وخبرها وهذه الجمل كلها مقول قولهم المحذوف. (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ان واسمها والجملة ابتدائية وما عطف على الكاف وجملة تعبدون صلة ومن دون الله حال وحصب جهنم خبر انكم وجملة أنتم لها واردون جملة اسمية من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من جهنم وفيه أن مجيء الحال من المضاف اليه لم يرد في كلامهم إلا مشروطا ويجوز أن تكون بدلا من حصب جهنم ويجوز أن تكون خبرا ثانيا لإن وأجاز آخرون أن تكون مستأنفة. (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) لو شرطية امتناعية وكان فعل ماض ناقص وهؤلاء اسمها وآلهة خبرها وجملة ما وردوها لا محل لها لأنها جواب لو والواو للحال وكل مبتدأ وفيها متعلقان بخالدون وخالدون خبر. (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) لهم خبر مقدم وفيها حال وزفير مبتدأ مؤخر والواو عاطفة وهم مبتدأ وفيها متعلقان بيسمعون وجملة لا يسمعون خبرهم. * البلاغة: المذهب الكلامي: في قوله تعالى: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ» المذهب الكلامي وقد تقدمت الاشارة إليه، وسنزيده بسطا هنا فنقول: إذا تقرر أن المذهب الكلامي هو احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له على طريقة أرباب الكلام أو استنتاج النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة كما سيأتي في سورة الحج فإن الآية التي نحن بصددها يترتب عليها ان هؤلاء الأصنام والأوثان ليسوا بآلهة فلو كانوا آلهة فهم حصب جهنم كما تقدم ان ملزوم قوله تعالى «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» هو ما تقديره لكنهما ما فسدتا فليس فيهما آلهة إلا الله ومن النوع الثاني تقدم الكلام في سورة الأعراف على قوله تعالى: «وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» فوجه استنتاج النتيجة في هذه الجملة من المقدمتين أن يقال إن الكفار لا يدخلون الجنة أبدا حتى يلج الجمل في خرم الابرة، والجمل لا يدخل في خرم الابرة أبدا فهم لا يدخلون الجنة أبدا لأن تعليق الشرط على مستحيل يلزم منه استحالة وقوع المشروط. ومن المذهب الكلامي قوله صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» وتمام الدليل أن يقال: لكنكم ضحكتم كثيرا وبكيتم قليلا فلم تعلموا ما أعلم، ومثله قوله مالك بن المرجل الأندلسي: لو يكون الحب وصلا كله ... لم تكن غايته إلا الملل أو يكون الحب هجرا كله ... لم تكن غايته إلا الأجل إنما الوصل كمثل الماء لا ... يستطاب الماء إلا بالغلل فالبيتان الأولان قياس شرطي والثالث قياس فقهي فإنه قاس الوصل على الماء فكما أن الماء لا يستطاب إلا بعد العطش فالوصل مثله لا يستطاب إلا بعد حرارة الهجر، وأما الأقيسة الحملية فقد استنبطوها على صور، منها ما يروى أن أبا دلف قصده شاعر تميمي فقال له: ممن أنت؟ فقال: من تميم، فقال أبو دلف: تميم بطرق اللؤم اهدى من القطا ... ولو سلكت سبل الهداية ضلت فقال التميمي نعم بتلك الهداية جئت إليك فأفحمه بدليل حملي ألزمه فيه أن المجيء إليه ضلال ولعمري إن القياس الشرطي أوضح دلالة في هذا الباب من غيره وأعذب في الذوق وأسهل في التركيب فإنه جملة واقعة بعد لو وجوابها وهذه الجملة على اصطلاحهم مقدمة شرطية متصلة يستدل بها على ما تقدم من الحكم. وقال ابن رشيق في كتاب العمدة «ذكر ابن المعتز أن الجاحظ سمى هذا النوع المذهب الكلامي قال ابن المعتز: وهذا باب ما علمت اني وجدت منه في القرآن شيئا وهو ينسب إلى التكلف تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» وقد فات ابن رشيق وابن المعتز أن القرآن حافل بهذا النوع كما رأيت وكما سيأتي فيما بعد على أن ابن رشيق لاحظ على ابن المعتز شيئا آخر فقال: «غير أن ابن المعتز قد ختم بهذا الباب أبواب البديع الخمسة التي خصها بهذه التسمية وقدمها على غيرها وأنشد للفرزدق: لكل امرئ نفسان: نفس كريمة ... وأخرى يعاصيها الفتى ويطيعها ونفسك من نفسيك تشفع للندى ... إذا قل من احرارهن شفيعها وأنشد لآخر ولا أظنه إلا ابراهيم بن العباس: وعلمتني كيف الهوى وجهلته ... وعلمكم صبري على ظلمكم ظلمي فأعلم ما لي عندكم فيميل بي ... هواي إلى جهلي وأعرض عن ظلمي وعاب على أبي تمام قوله: فالمجد لا يرضى بأن ترضى بأن ... يرضى المؤمل منك إلا بالرضا وحكي أن اسحق الموصلي سمع الطائي ينشد ويكثر من هذا الباب وأمثاله عند الحسن بن وهب فقال: «يا هذا لقد شذرت على نفسك» وعندي أن النقد يتوجه إلى أبي تمام في بيته لا من ناحية المذهب الكلامي الذي سلكه بل من ناحية التعقيد اللفظي فيه. ومن طريف هذا المذهب ما أورده ابن رشيق لابن المعتز وهو قوله: أسرفت في الكتمان ... وذاك مني دهاني كتمت حبّك حتى ... كتمته كتماني ولم يكن لي بد ... من ذكره بلساني قال: «وهذه الملاحة نفسها والظرف بعينه» . وقال أبو نواس: سخنت من شدة البرودة حتى ... صرت عندي كأنك النار لا يعجب السامعون صفتي ... كذلك الثلج بارد حار فهذا مذهب كلامي فلسفي، وقوله أيضا: فيك خلاف لخلاف الذي ... فيه خلاف لخلاف الجميل ويمكن اعتبار أبي تمام صاحب طريقة خاصة في المذهب الكلامي، استمع إلى قوله في الحسد: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود ومن أزهار البهاء زهير قوله: يا من أكابد فيه ما أكابده ... مولاي أصبر حتى يحكم الله سميت غيرك محبوبي مغالطة ... لمعشر فيك قد فاهوا بما فاهوا أقول زيد وزيد لست أعرفه ... وإنما هو لفظ أنت معناه وكم ذكرت مسمّى لا اكتراث به ... حتى يجر إلى ذكراك ذكراه أتيه فيك على العشاق كلهم ... قد عز من أنت، يا مولاي، مولاه كادت عيونهم بالبغض تنطق لي ... حتى كأن عيون الناس أفواه
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب