* اللغة:
(آنَسْتُ) : أبصرت والإيناس الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ومنه إنسان العين لأنه يبصر به الأشياء وقال جرير: إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا
وفي قوله إنسانا تورية بديعة.
(بِقَبَسٍ) : القبس: الجذوة من النار.
(طُوىً) : اسم علم للوادي ويقرأ بغير تنوين على أنه معرفة مؤنث علم للبقعة وقيل هو معدول وإن لم يعرف لفظ المعدول عنه فكأن أصله طاوي فهو في ذلك كجمع وكتع وقال في القاموس: «وطوى بالضم والكسر وينون واد بالشام» وقال علماء النحو: وأما طوى فمن منع صرفه فالمعتبر فيه التأنيث باعتبار البقعة لا العدل عن طاو ولأنه أي العدل قد أمكن غيره وهو التأنيث فلا وجه لتكلف العدل.
(أُخْفِيها) : سيأتي الكلام عنها في الاعراب.
(فَتَرْدى) : في المختار: ردى من باب صدى أي هلك وأرداه غيره وردى في البئر تردى يردي إذا سقط فيها أو تهور من جبل.
* الإعراب:
(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) الواو للاستئناف والجملة استئنافية مسوقة لسرد قصة موسى ليتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد ومعاناة الأهوال، وأتاك فعل ومفعول به وحديث موسى فاعل والاستفهام للتقرير ومعناه أليس قد أتاك حديث موسى؟ وقيل معناه: قد أتاك حديث موسى. (إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ: امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) الظرف متعلق بالحديث لأنه حدث أو بمضمر تقديره اذكر وجملة رأى مضاف إليها الظرف ونارا مفعول به فقال عطف على رأى ولأهله متعلقان بقال وجملة امكثوا مقول القول وجملة إني تعليل للأمر بالمكوث وان واسمها وجملة آنست خبرها ونارا مفعول به. (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) لعل واسمها وجملة آتيكم خبرها ومنها متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لقبس أو حرف عطف وأجد معطوف على آتيكم وفاعل أجد مستتر تقديره أنا وعلى النار جار ومجرور متعلقان بأجد وهي على مكانها للاستعلاء على حد قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
أي أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في مررت بزيد انه لصوق بمكان يقرب من زيد. وهدى مفعول به أي يهديني الطريق ويدلني عليها قال الفراء: أراد هاديا فذكره بلفظ المصدر أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف أي ذا هدى.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى) الفاء عاطفة على محذوف والتقدير فيمم شطر النار ولما ظرفية حينية أو رابطة وأتاها فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة نودي لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ويا موسى حرف نداء ومنادى. (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) إن واسمها وأنا تأكيد للضمير أو مبتدأ وربك خبر إني أو خبر أنا والجملة خبر إن والأول أولى، فاخلع الفاء الفصيحة واخلع فعل أمر وفاعل مستتر ونعليك مفعول به وجملة إنك تعليل للخلع وان واسمها وبالوادي خبرها والمقدس صفة وطوى بدل أو عطف بيان وقد تقدم القول في منعه من الصرف أو عدم منعه في باب اللغة. (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) الواو عاطفة وأنا مبتدأ وجملة اخترتك من الفعل والفاعل والمفعول به خبر، فاستمع الفاء عاطفة واستمع فعل أمر والفاعل مستتر تقديره أنت ولما متعلقان باستمع وجملة يوحى صلة ويوحى بالبناء للمجهول. (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) الجملة بدل من «ما» في لما يوحى وان واسمها وأنا تأكيد للضمير أو مبتدأ والله خبر إنني أو خبر أنا والجملة خبر إن وجملة لا إله إلا أنا خبر ثان فاعبدني الفاء الفصيحة واعبدني فعل أمر وفاعل مستتر والنون للوقاية والياء مفعول وأقم الصلاة عطف على اعبدني ولذكري متعلقان بأقم وهو مصدر مضاف لمفعول أي لتذكرني فيها وقيل المصدر مضاف للفاعل أي لذكري إياك. (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) إن واسمها وخبرها وأكاد فعل مضارع ناقص من أفعال المقاربة واسمها مستتر تقديره أنا وجملة أخفيها خبر أي أريد إخفاء وقتها أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ويجوز أن يراد أكاد أظهرها وفعل أخفى من الأضداد وسيرد له مزيد بحث في باب البلاغة، ولتجزى اللام للتعليل وتجزى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وهو متعلق بأخفيها أو بآتية وجملة أكاد أخفيها اعتراضية بينهما وكل نفس نائب فاعل وبما متعلقان بتجزى وجملة تسعى صلة ويجوز أن تكون ما مصدرية أي بجزاء سعيها على حذف مضاف. (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) الفاء الفصيحة ولا ناهية ويصدنك فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وهو في محل جزم بلا الناهية والكاف مفعول به وعنها متعلقان بيصدنك ومن فاعل وجملة لا يؤمن صلة وبها متعلقان بيؤمن واتبع هواه فعل وفاعل مستتر ومفعول به فتردى الفاء فاء السببية وتردى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء بفتحة مقدرة على الألف.
* البلاغة:
فن الإبهام:
في قوله تعالى «لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً» وهو فن رفيع ينطوي على الكثير من جلائل المعاني ودقائقها وهو ضد الإيجاز وضد الاطناب وحدّه أن يأتي المتكلم إلى المعنى الواحد الذي يمكنه الدلالة عليه باللفظ القليل فيدل عليه باللفظ الكثير لا لقصد إفهام البليد وسماع البعيد ولا للتقرير والتوكيد، بل للاتيان بمعنى يتشعب إلى عدة أمور كل واحد منها مستقل المفهومية فقد قال لعلي آتيكم منها بقبس ولم يبت في الأمر لئلا يعد ما ليس بمستيقن من الوفاء به وما أجملها حكمة تكون درسا للذين يكيلون الوعود جزافا ولا يفكرون في الوفاء بها ثم قال لعلي أجد على النار هدى وهذا يحتوي على معنى آخر ثم يتشعب فالهداية هي المعنى الرئيسي ثم ان الهداية قد تكون بالنار نفسها بخاصة الاضاءة الكامنة فيها وإما بواسطة القوم الذين يقومون بإيقادها ويفهم من هذا ضمنا أنه ضل مع أهله الذين يرافقونه وهم امرأته بنت شعيب وقد ولدت في الطريق ابنا في ليلة شاتية مظلمة باردة وقيل مثلجة فلما أسقط في يده آنس النار فقال ما قال ثم قد يقصد بالهداية معناها المجازي الآخر أي لعلي أهتدي بنور العلم لأن أفكار الأبرار مغمورة بالهمم فتبارك قائل هذا الكلام.
وفي قوله تعالى: «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى» إبهام وهو فن عجيب يقول فيه المتكلم كلاما يحتمل معنيين متغايرين لا يتميز أحدهما عن الآخر فكلمة أخفيها أولا تعني أمورا منها:
آ- أي أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به.
ب- أكاد أخفيها عن نفسي.
ثم انه جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه فهي من الأضداد أي أكاد أظهرها لقرب وقتها وبه فسر قول امرئ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي إن تكتموا الضغائن التي بيننا نكتمها نحن أيضا ولا نظهرها.
على أن أحسن محامل الآية الكريمة هو أن يكون المراد أكاد أزيل خفاءها أي أظهرها إذ الخفاء الغطاء وهو أيضا ما تجعله المرأة فوق نيابها يسترها ثم تقول العرب أخفيته إذا أزلت خفاءه كما تقول أشكيته وأعتبته إذا أزلت شكايته وعتبه.
قال أبو علي القالي: «وقال اللحياني: خفيت الشيء أخفيه خفيا وخفيا إذا استخرجته وأظهرته وأنشد لامرئ القيس:
خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنما ... خفاهن ورق من سحاب مركب
قال أبو علي: وغيره يروي: من عشني مجلّب أي مصوت ويقال: اختفيت الشيء أي أظهرته وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي لأنه يستخرج أكفان الموتى وأخفيت الشيء أخفيه إخفاء إذا سترته قال الله عز وجل: «أَكادُ أُخْفِيها» وهي قراءة العامة أي أظهرها وقال أبو عبيدة: أخفيت الشيء كتمته وأظهرته ويقال دعوت الله خفية وخفية أي في خفض.
مجموعة من الاضداد في اللغة:
هذا ومن الاضداد الجلل للعظيم وللهين فمن الأول قول الشاعر:
ولئن عفوت لا عفون جللا ... ولئن سطوت لأوهننّ عظمي
ومن الثاني قول امرئ القيس لما قتل أبوه:
بقتل بني أسد ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل
ومنها: غابر للذاهب والآتي، والجون للأبيض والأسود والبين للبعد والقرب، والصريم: الليل والنهار، والناصع الأبيض والأسود، والأمم للعظيم واليسير، والناهل للريان والظمآن، ووراء بمعنى قدام وخلف، وبعت الشيء إذا بعته من غيرك وبعته اشتريته، وشعبت الشيء:
أصلحته وشققته، والصارخ للمستغيث والمغيث، والهاجد للمصلي بالليل والنائم، والوهدة: الارتفاع والانحدار، والتعزير للاكرام والاهانة، والتقريظ للمدح والذم، وترب للغني والفقير، والاهماد للسرعة في السير والاقامة، وعسعس: إذا أقبل وإذا أدبر، والقرء للحيض والطهر.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ","إِذۡ رَءَا نَارࣰا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوۤا۟ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا لَّعَلِّیۤ ءَاتِیكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدࣰى","فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ یَـٰمُوسَىٰۤ","إِنِّیۤ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَیۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوࣰى","وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا یُوحَىٰۤ","إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ","إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةٌ أَكَادُ أُخۡفِیهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ","فَلَا یَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا یُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ"],"ayah":"وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ"}