الباحث القرآني

* اللغة: (ذِي الْقَرْنَيْنِ) : اضطربت الأقوال فيه كثيرا فبينما يزعم مفسرو القرآن أنه غير الإسكندر المقدوني الكبير يقولون انه هو الذي بنى الاسكندرية مع أن الإسكندر الكبير هو بانيها ومعنى ذي القرنين انه لقب لقب به لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقيها وغربيها أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان، والعرب تسمي الذؤابة قرنا وجمعها قرون. قال مجنون ليلى لزوجها صبيحة عرسه: بعيشك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الفجر أو قبلت فاها وهل رفّت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في شذاها وقيل كان على رأسه ما يشبه القرنين ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه واختلف في زمنه ومكانه اختلافا يمكن الرجوع اليه في المطولات لأن هذا البحث غير داخل في نطاق كتابنا. (حَمِئَةٍ) : أي كثيرة السواد من الحمأة أي الطين وفي المصباح والحمأة بسكون الميم طين أسود وقد حمئت البئر حمأ من باب تعب صار فيها الحمأة والعين الحمئة ماء يجري على الطين الأسود، وقد فرىء عين حامية أي حارة ويروى أن ابن عباس قرأ حمئة وكان عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حمئة فقال معاوية لعبد الله ابن عمر كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب فقال: في ماء وطين فوافق قول ابن عباس، وكان ثمة رجل فأنشد قول تبع: قد كان ذو القرنين جدي مسلما ... ملكا تدين له الملوك وتسجد بلغ المغارب والمشارق يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغار الشمس عند مآبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد والخلب بضمتين الحمأة وهي الطين والثأط الحمأة المختلطة بالماء فتزيد رطوبة وتفسد والحرمد الطين الأسود. مدح تبع ذا القرنين ثم قال انه بلغ مواضع غروب الشمس ومواضع شروقها يبتغي من الله أسبابا توصله لمقصده فرأى محل غبار الشمس عند مآبها أي رجوعها وفي عين متعلق بمغار وحال منه وقد أوّل أبو علي الجبائي ذلك تأويلا طريفا بأن ذلك على سبيل التخييل كما أن من ير الشاطئ الغربي من البحر المتسع ير الشمس تغرب فيه وفي الحقيقة تغرب في ظلمة وراء الأرض لدورانها كما يقرر ذلك بدائه العلم. * الإعراب: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) الواو استئنافية ويسألونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وعن ذي القرنين متعلقان بيسألونك. (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) جملة سأتلو مقول القول وعليكم متعلقان بأتلو ومنه متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة لذكر أو تقدم عليه وذكرا مفعول به. (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) إن واسمها وجملة مكنا خبرها وله متعلقان بمكنا وفي الأرض متعلقان بمكنا أيضا وآتيناه عطف على مكنا وهو فعل وفاعل ومفعول به ومن كل شيء متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة لسببا وسببا مفعول به ثان لآتيناه. (فَأَتْبَعَ سَبَباً) الفاء عاطفة وأتبع فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو وسببا مفعول به وقيل هو يتعدى لاثنين حذف أحدهما وتقديره فأتبع سببا سببا آخر أو فأتبع أمره سببا قال يونس وأبو زيد: أتبع بالقطع عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب وبالوصل إنما يتضمن الاقتفاء دون هذه الصفات. (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) حتى حرف غاية وجر وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة بلغ مضافة إلى الظرف ومغرب الشمس مفعول به وجملة وجدها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وفي عين متعلقان بتغرب وحمئة صفة لعين. (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) ووجد عطف على وجدها وعندها ظرف متعلق بوجد وقوما مفعول به وقلنا فعل وفاعل وذا القرنين منادى مضاف وإما حرف شرط وتفصيل وأن تعذب مصدر مؤول في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أي هو تعذيبك أو الرفع على انه مبتدأ والخبر محذوف أي إما تعذيبك واقع، ومن شواهد الرفع قول الشاعر: فسيروا فإما حاجة تقضيانها منها ... وإما مقيل صالح وصديق أو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف أي إما أن تفعل التعذيب وإما أن تتخذ عطف على إما أن تعذب وفيهم متعلقان بتتخذ أو مفعول به ثان لتتخذ وحسنا مفعول به أول أي أمرا ذا حسن. (قالَ: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) أما حرف شرط وتفصيل ومن ظلم مبتدأ وجملة ظلم صلة فسوف الفاء رابطة وسوف حرف استقبال ونعذبه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول والجملة خبر من. (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) ثم حرف عطف وتراخ ويرد فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو والى ربه متعلقان بيرد فيعذبه الفاء عاطفة ويعذبه فعل وفاعل ومفعول به وعذابا مفعول مطلق ونكرا صفة. (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) وأما عطف على أما السابقة ومن مبتدأ وآمن صلة وعمل صالحا فعل وفاعل مستتر ومفعول به أو صالحا صفة لمفعول مطلق محذوف أي عملا صالحا فله الفاء رابطة وله خبر مقدم وجزاء تمييز وأعربها أبو حيان مصدرا في موضع الحال أي مجازى كقولك في الدار قائما زيد وقيل انتصب على المصدر أي يجزى جزاء، والحسنى مبتدأ مؤخر أي فله الفعلة الحسنى جزاء. قال الفراء ونصب جزاء على التفسير أي لجهة النسبة أي نسبة الخبر المقدم وهو الجار والمجرور إلى المبتدأ المؤخر وهو الحسنى والتقدير فالفعلة الحسنى كائنة له من جزاء الجزاء (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) وسنقول فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن وله متعلقان بنقول ومن أمرنا متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة ليسرا وتقدم عليه ويسرا مفعول به أو مفعول مطلق أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر. * الفوائد: بحث طريف يتعلق ب «في» : ذهب ابن قتيبة إلى أن «في» بمعنى «عند» لأنها قد ترد بمعنى «في» وبمعنى «مع» قال الشاعر: حتى إذا ألقت يدا في كافر معناه عند كافر، وقال الشاعر: وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان معناه ومع الشر، وتكون في الآية بمعنى على كقوله تعالى: «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» أي على جذوع النخل وقال عنترة: بطل كأن ثبابه في سرحة أي على سرحة، وكما أن في تقع موقع على كذلك تعكس القضية كقول الشاعر: ولقد سريت على الزمان بمعشر أي في الظلام. هذا ونقول إن الخطاب على حكم الحس في رأي العين لأن من وقف على شاطىء البحر المحيط أو قريبا من جبل عال رأى الشمس عند الغروب كأنها تدلت في نفس البحر أو خلف الجبل، قال الله تعالى: «حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ» أي وراء الجبل ولولا أن اللفظ جاء على حكم الحسّ في الظاهر لما قال الله تعالى: «وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً» ومن المعلوم عقلا أن القوم لا يجلسون في قرن الشمس ولا هم عندها ولكن لما كان ذو القرنين قد توغل في جوب الأرض حتى انتهى إلى البحر المحيط من جهة الغرب كان الناظر يخيل اليه أن الشمس تغرب هناك وإذن فالخطاب ورد على حكم الحسّ في الظاهر وما أكثر ما تكذب الحواس وله مباحث تؤخذ من مظانها وليس من شرطنا البحث في هذه الموضوعات على جلالتها ويروي التاريخ أن لابن الهيثم كتابا جليل القدر يقع في سبعة مجلدات في هذا العلم ولكنه فقد مع ما فقد من تراثنا العربي. هذا وقد تظرف الشعراء فأشاروا إلى خداع الحس، قال أبو العلاء المعري: والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر وقال الخفاجي: ولا ينال كسوف الشمس طلعتها ... وإنما هو فيما يزعم البصر
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب