الباحث القرآني

* اللغة: (فَتَقْعُدَ) : فتصير وهو من المجاز قال في الأساس: «ومن المجاز فعد عن الأمر تركه وقعد له اهتم به وقعد يشتمني أقبل، وأرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة: صارت، وقال الدّيان الحارثي: لأصبحن ظالما حربا رباعية ... فاقعد لها ودعن عنك الأظانينا وتقاعد عن الأمر وتقعّد وما قعد به عن نيل المساعي وما تقعده وما أقعده إلا لؤم عنصره وقال: بنو المجد لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا (مَحْسُوراً) : منقطعا لا شيء عندك من حسره السفر إذا بلغ منه وفي المختار: والحسرة شدة التلهف على الشيء الفائت تقول حسر على الشيء من باب طرب وحسرة أيضا فهو حسير وحسّره غيره تحسيرا. (وَيَقْدِرُ) : يقال قدر عليه رزقه وقدّر قتر وضيق. (إِمْلاقٍ) : فقر وفاقة يقال أملق الرجل: أنفق ماله حتى افتقر ورجل مملق وقال أعرابي: قاتل الله النساء كم يتملقن العلل لكأنها تخرج من تحت أقدامهن أي يستخرجنها. (خِطْأً) : مصدر خطىء من باب علم. * الإعراب: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) وآت ذا القربى حقه: آت فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت وذا القربى مفعول به وحقه مفعول به ثان والمسكين وابن السبيل عطف على ذا القربى ولا ناهية وتبذر مضارع مجزوم بلا وتبذيرا مفعول مطلق. (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) إن واسمها وجملة كانوا خبرها وإخوان الشياطين خبر كان أي أمثالهم والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم والملازم للشيء هو أخ له فيقولون: فلان أخو الجود وأخو الكرم وأخو الشعر. (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) الواو عاطفة أو حالية وكان واسمها ولربه متعلقان بكفورا، وكفورا خبر كان ولا بد من تقدير مضاف أي لنعم ربه وآلائه. (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) وإما: إن شرطية وما زائدة وتعرضن فعل الشرط وهو في محل جزم والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بتعرضن وابتغاء رحمة مفعول من أجله ولك في ناصبه وجهان فإما أن تجعله فعل الشرط من وضع المسبب مكان السبب أي وان أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا وإما أن تجعله جواب الشرط وقد تقدم عليه أي فقل لهم قولا كريما لينا وعدهم وعدا جميلا تطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك. ومن ربك صفة لرحمة وجملة ترجوها حال من رحمة أو صفة ثانية، فقل الفاء رابطة وقل فعل أمر ولهم متعلقان بقل وقولا مفعول مطلق وميسورا صفة. (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتجعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت ويدك مفعول تجعل الأول ومغلولة مفعول تجعل الثاني والى عنقك جار ومجرور متعلقان بمغلولة. (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) ولا تبسطها عطف على لا تجعل وكل البسط مفعول مطلق فتقعد الفاء فاء السببية وتقعد مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة بالنهي وستأتي الشروط التي يجب أن تسبق هذه الفاء في باب الفوائد وفاعل تقعد مستتر تقديره أنت وملوما محسورا حالين أو تجعلهما خبرين لتقعد إذا ضمنتها معنى تصير. (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) ان واسمها وجملة يبسط خبرها والرزق مفعول به ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يبسط وان واسمها وجملة كان خبرها واسم كان مستتر تقديره هو وبعباده متعلقان بخبيرا بصيرا وهما خبر ان لكان. (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) لا ناهية وتقتلوا مجزوم بها وأولادكم مفعول به وخشية مفعول لأجله وإملاق مضاف إليه. (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) نحن مبتدأ وجملة نرزقهم خبر وإياكم عطف على الهاء وإن واسمها وجملة كان خبر إن وخطئا خبر كان واسمها مستتر تقديره هو وكبيرا صفة لخطئا. * البلاغة: اشتملت هذه الآيات على طائفة من الحكم والأمثال وعلى أنواع من البلاغة نوجزها فيما يلي: 1- الاستعارة التمثيلية: في قوله تعالى «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط» استعارة تمثيلية لمنع الشحيح وإعطاء المسرف فقد شبه حال البخيل في امتناعه من الانفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه فهو لا يقدر على التصرف في شيء وشبه حال المسرف المبذر المتلاف بحال من يبسط يده كل البسط فلا يبقي على شيء في كفه ولا يدخر شيئا ينفعه في حال الحاجة ليخلص إلى نتيجة مجدية وهي التوسط بين الأمرين والاقتصاد الذي هو وسط بين الإسراف والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها وغلّها أبلغ في القبض وقد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال في المعتصم: تعود بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله 2- التغاير: في قوله تعالى «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم» وقد تقدم بحثه في سورة الانعام وفيه سر خفي بين ما جاء في سورة الاسراء وما جاء في سورة الانعام وهو قوله «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم» فجدد به عهدا ونضيف اليه الآن ان قتل الأولاد إن كان مبعثه خوف الفقر فهو من سوء الظن بالله واليأس من رحمته وإن كان مبعثه الغيرة على البنات فهو تدبير أرعن لا ينجم عنه إلا هدم المجتمع وتعطيل معالم الحياة. * الفوائد: شروط النصب بأن بعد فاء السببية وواو المعية: لا تضمر أن بعد فاء السببية وواو المعية أيضا إلا بشرطين أساسيين وهما أن يسبقهما نفي أو طلب محضين ولا فرق في النفي بين أن يكون حرفا أو فعلا أو اسما أو تقليلا مرادا به النفي ومثال التقليل: قلما تأتينا فتحدثنا وأما الطلب فيشمل سبعة أمور وهي الأمر والنهي والدعاء والعرض والتحضيض والاستفهام والتمني فهذه سبعة مع النفي تصير ثمانية وزاد بعضهم الترجي وقد جمع هذه التسعة بقوله: مروانه وادع وسل عرض لحضّهم ... تمن وارج كذاك النفي قد كملا واحترزنا بقولنا «نفي أو طلب محضين» من النفي التالي تقريرا بالهمزة لأن التقرير اثبات ومن النفي المتلو بالنفي لأن نفي النفي اثبات ومن النفي المنتقض بإلا ومما يجب مراعاته قول جميل بن معمر العذري: ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق فينطق مرفوع وهو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أي فهو ينطق والفاء استئنافية وليست للسببية كما أنها ليست للعطف إذ العطف يقتضي الجزم، ورجح ابن هشام في المغني أن تكون الفاء للعطف وان المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل وحده وانما يقدر النحويون كلمة هو ليبينوا أن الفعل ليس المعتمد بالعطف قال «ومثله فإنما يقول له كن فيكون» أي فهو يكون حينئذ وقوله: الشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه أي فهو يعجمه» . ونعود إلى بيت جميل فنقول: أورده سيبويه في كتابه وقال ما نصه: «لم يجعل الأول سبب الآخر ولكنه جعله ينطق على كل حال كأنه قال وهو مما ينطق كما يقال ائتني وأحدثك فجعل نفسه ممن يحدثه على كل حال وزعم يونس أنه سمع هذا البيت وانما كتبت ذلك لئلا يقول انسان فلعل الشاعر قال: إلا اهـ» وقال ابن النحاس: «تقرير معناه انك سألته فيقبح النصب لأن المعنى يكون انك ان تسأله ينطق» وقال الأعلم: الشاهد فيه رفع ينطق على الاستئناف والقطع على معنى فهو ينطق وإيجاب ذلك ولو أمكنه النصب على الجواب لكان أحسن. وقال الفراء: أي قد سألته فنطق ولو جعلته استفهاما وجعلت الفاء شرطا لنصبت كما قال آخر: ألم تسأل فتخبرك الديارا ... عن الحي المضلّل حيث سارا والجزم في هذا البيت جائز كما قال: فقلت له صوب ولا تجهدنه ... فيدرك من أخرى القطاة فتزلق فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق على ما قبله. هذا ولأهمية هذا البيت وعناية العلماء به نقول انه مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة المشهور وبعده وهو من جيد الشعر: بمختلف الأرواح بين سويقة ... وأحدب كادت بعد عهدك تخلق أضرت بها النكباء كل عشية ... ونفح الصبا والوابل المتعبق وقفت بها حتى تجلت عمايتي ... ومل الوقوف الأرحبيّ الم نوّق وقال صديقي: إن ذا لصبابة ... ألا تزجر القلب اللجوج في لحق؟ تعزّ وإن كانت عليك كريمة ... لعلك من أسباب بثنة تعتق فقلت له: إن البعاد يشوقني ... وبعض بعاد البين والنأي أشوق والربع: المنزل، والقواء: القفر وجعله ناطقا للاعتبار بدروسه وتغيره ثم حقق وأخبر أنه لا يجيب ولا يخبر سائله لعدم وجود القاطنين به، البيداء القفر، والسملق: الأرض التي لا شيء فيها. ومما اختلف فيه وكان موضع الدقة قول عروة العذري صاحب عفراء: وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب قال سيبويه: «وسألت الخليل عن قول الشاعر: وما هو إلا أن أراها إلخ فقال: أنت في «فأبهت» بالخيار إن شئت حملتها على أن وإن شئت لم تحملها عليها فرفعت كأنك قلت ما هو إلا الرؤي فابهت» ومعنى ما أراده سيبويه أن النصب بالعطف على أن المراد المصدر والتقدير فما هو إلا الرؤية فأبهت والرفع على القطع والاستئناف والمعنى فاذا أنا مبهوت. وإنما أطلنا في هذا لأنه من الدقة بمكان فاعرفه وقس عليه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب