الباحث القرآني

* اللغة: (حَرَصْتَ) : في المصباح: حرص عليه حرصا من باب ضرب إذا اجتهد والاسم الحرص بالكسر وحرص على الدنيا من باب ضرب وحرص حرصا من باب تعب لغة إذا رغب رغبة مذمومة. وقال علماء اللغة: وحرص على الشيء وهو حريص من قوم حراص وما أحرصك على الدنيا والحرص شؤم ولا حرس الله من حرص، وحرص القصار الثوب شقه وبثوبك حرصة وأصابته حارصة وهي من الشجاج التي شقت الجلد، وحما محرّص: مكدّح، وانهلّت الحارصة والحريصة وهي السحابة الشديدة وقع المطر وتحرّص وجه الأرض، قال الحويدرة: ظلم البطاح بها انهلال حريصة ... فصفا النّطاف بها بعيد المقلع ورأيت العرب حريصة، على وقع الحريصة. (غاشِيَةٌ) : نقمة تغشاهم وقيل ما يغمرهم من العذاب ويجللهم وفي القاموس والتاج الغاشية مؤنث الغاشي والغطاء والجمع غواش والداهية والقيامة وداء في الجوف وغاشية فلان خدمه وزواره. * الإعراب: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) ذلك اسم اشارة في محل رفع مبتدأ ومن أنباء الغيب خبره وجملة نوحيه إليك حال ويجوز أن تكون في محل رفع خبرا ثانيا وفي هذه الآية الكريمة دليل لا يقبل الريب على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان أميا لم يقرأ الكتب ولم يلق العلماء ولم يسافر إلى غير بلده الذي نشأ فيه ومع ذلك أتى بهذه القصة الطويلة مستجمعة شرائط القصة وخصائصها التي ابتدعت ذكرها العصور الحديثة. (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) الواو عاطفة وكنت كان واسمها ولديهم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كنت وإذ ظرف متعلق بما تعلق به الظرف أي بالاستقرار المحذوف وجملة أجمعوا مضافة للظرف والواو للحال وهم مبتدأ وجملة يمكرون خبر والجملة حالية. (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) الواو عاطفة وما نافية حجازية بذلك زيادة الباء في خبرها وأكثر الناس اسمها والواو اعتراضية ولو شرطية وحرصت فعل وفاعل والجملة معترضة بين ما الحجازية وخبرها وسيأتي في باب الفوائد بحث مسهب عن الجملة الاعتراضية والباء حرف جر زائد ومؤمنين مجرور بالباء لفظا في محل نصب خبر لما وجواب لو محذوف أي لم يؤمنوا. (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) الواو عاطفة وما نافية وتسألهم فعل مضارع وفاعل مستتر والهاء مفعول به وعليه حال لأنه كان في الأصل صفة لأجر والضمير يعود على القرآن ومن حرف زائد وأجر مجرور بمن لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به وإن نافية وهو مبتدأ وإلا أداة حصر وذكر خبر هو وللعالمين صفة لذكر. (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تقدم القول مسهبا في كأين وكم الخبريتين، وهي في محل رفع مبتدأ ومن آية تمييز مجرور بمن وفي السموات والأرض صفة لآية. (يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) جملة يمرون خبرا لمبتدأ وهو كأين وعليها متعلقان بيمرون، وهم: الواو حالية وهم مبتدأ وعنها متعلقان بمعرضون ومعرضون خبرهم والجملة الاسمية حالية ويجوز أن يكون في السموات والأرض خبرا لكأين وجملة يمرون صفة لآية (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) الواو عاطفة وما نافية ويؤمن أكثرهم فعل مضارع وفاعل وبالله متعلقان بيؤمن وإلا أداة حصر والواو حالية وهم مبتدأ ومشركون خبر والجملة نصب على الحال (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ) الهمزة للاستفهام الانكاري وفيه معنى التوبيخ والتهديد والفاء عاطفة وأمنوا فعل وفاعل، وأن تأتيهم المصدر المؤول مفعول أمنوا والهاء مفعول تأتي وغاشية فاعل تأتي ومن عذاب الله صفة لغاشية (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أو تأتيهم عطف على تأتيهم السابقة والساعة فاعل تأتيهم وبغتة حال والواو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يشعرون خبر والجملة نصب على الحال. * البلاغة: 1- في قوله «وما كنت لديهم» الآية فن يسمى في علم البيان بالاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج وقد تقدم بحثه وفيه تهكم مرير بهم لأنه قد علم كل أحد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان معهم فإذا أخبر به وقصه هذا القصص البديع لم تقع شبهة في أنه ليس منه. 2- في قوله تعالى «وما أكثر الناس، ولو حرصت، بمؤمنين» فن الاعتراض وقد تقدم ذكره وتحديده ونزيد هنا ما يتعلق ببحث بلاغي طريف وهو أن الاعتراض ينقسم إلى قسمين أحدهما لا يأتي في الكلام إلا لفائدة وهو جار مجرى التوكيد والآخر أن يأتي في الكلام لغير فائدة فإما أن يكون دخوله فيه كخروجه منه وإما أن يؤثر في تأليفه نقصا وفي معناه فسادا فالقسم الأول كهذه الآية، وفائدة الاعتراض من وجهين أولهما تصوير حرصه صلى الله عليه وسلم على ايمان قومه وهدايتهم وتهالكه على ردعهم عن غيهم وحرفهم عن مظان الخطأ ومواطن الضلال واستهدافه للأذى في سبيل هذا الحرص مع علمه بعدم جدوى ذلك واستحالة إقلاعهم عما هم فيه، وثاني الوجهين تصوير لجاجتهم، وجحود عقليتهم وإصرارهم على الغي الذي هم فيه شارعون وبه آخذون وعنادهم ومكابرتهم فيما لا تجدي معه الحجج والبراهين الثابتة المنيرة والقرآن الكريم حافل بهذا القسم وسيرد عليك في مواضعه إن شاء الله، وقد أوردنا طائفة من الشعر الجيد الذي زاده الاعتراض رقة وحلاوة وما أجمل قول ابن المعذب السعدي: فلو سألت سراة الحي سلمى ... على أن قد تلوّن بي زماني لخبرها ذو وأحساب قومي ... وأعدائي فكلّ قد بلاني وهذا اعتراض بين لو وجوابها وهو من فائق الاعتراض ونادره وتقديره فلو سألت سراة الحي سلمى لخبرها ذو وأحساب قومي وأعدائي وفائدة قوله: «على أن قد تلوّن بي زماني» أي أنهم يخبرون عني على تلون الزمان بي يريد تنقل حالاته من خير وشر وليس من عجمه على الزمان وأبان عن جوهره كغيره ممن لم يعجمه ولم يبن عنه. أما القسم الثاني وهو الذي يأتي في الكلام لغير فائدة فهو ضربان: الأول: يكون دخوله في الكلام كخروجه منه لا يكتسب به حسنا ولا قبحا فمن ذلك قول النابغة الذبياني يرثي النعمان بن المنذر: يقول رجال يجهلون خليقتي ... لعل زيادا- لا أبا لك- غافل فقوله: لا أبا لك من الاعتراض الذي لا فائدة فيه إلا إقامة الوزن وليس مؤثرا فيه حسنا ولا قبحا، ومثله قول زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا، لا أبا لك، يسأم والثاني: وهو الذي يؤثر في الكلام نقصا وفي المعنى فادا وسنورد أمثلة منه ليتفاداها العاقل فمن ذلك قول بعضهم: فقد، والشك: بيّن لي، عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح فإنه قدم «بوشك فراقهم» وهو معمول «يصيح» ويصيح صفة لصرد وذلك قبيح، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال هذا من موضع كذا رجل ورد اليوم وانما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها فكذلك لا يجوز تقديم ما اتصل بها على موصوفها وفيه بعد ذلك من رديء الاعتراض الفصل بين «قد» والفعل الذي هو بيّن وذلك قبيح جدا لقوة اتصال «قد» بما تدخل عليه من الأفعال حتى انهم يعدونها بمثابة الجزء من الفعل ولذلك أدخلت عليه لام القسم المراد بها توكيد الفعل كقوله تعالى: «ولقد علموا لمن اشتراه» هذا وفي البيت عيب ثالث وهو الفصل بين المبتدأ الذي هو الشك وبين الخبر الذي هو عناء بقوله «بين لي» وعيب رابع وهو الفصل بين الفعل الذي هو بيّن وبين فاعله الذي هو صرد بخبر المبتدأ الذي هو عناء فجاء معنى البيت، كما تراه، كأنه صورة مشوهة قد نقلت أعضاؤها بعضها إلى مكان بعض. ومن هذا الضرب قول الآخر: نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله ... إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل أراد نظرت مطلع الشمس وشخصي ظله إلى الغروب حتى عقل الشمس أي حاذاها وعلى هذا التقدير فقد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ الذي هو شخصي وبين خبره الجملة وهو قوله «ظله إلى الغرب» وأغلظ من ذلك وأسمج أنه فصل بين الفعل وفاعله بأجبني وهذا مما يبدو السكوت خيرا منه. وحيث تكلمنا على الاعتراض من الناحية البلاغة الفنية فلا ندحة لنا عن أن نتناوله من ناحيته النحوية فقد قرر النحاة أنه يقع في مواضع: 1- بين الفاعل ومرفوعه كقول بعضهم: شجاك أظن ربع الظاعنينا ... ولم تعبأ بعذل العاذلينا فشجاك فعل ماض وفاعله ربع الظاعنينا وفصل بينهما بجملة أظن وقد أفادت هذه الجملة المعترضة التقوية لأنه حين يقال شجاك ربع الظاعنين يحتمل أن ذلك مظنون أو متوهم فأخبر أنه مظنون على أنه يحتمل في هذا البيت نصب ربع على أنه مفعول أول لأظن وجملة شجاك مفعوله الثاني وتقديره أظن ربع الظاعنينا شجاك. 2- بين الفعل ومفعوله المنصوب كقول الشاعر: وبدلت، والدهر ذو تبدل، ... هيفا دبورا بالصبا والشمأل فبدلت فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على الريح والدهر ذو تبدل معترضة وهيفا مفعول بدلت أي ريحا هيفا ومعناها حارة وبالصبا داخلة على المتروك كما هي القاعدة في الباء التي تقع بعد بدل والصبا الريح التي تهب من المشرق. عند استواء الليل والنهار والشمأل هي الريح التي تأتي من ناحية القطب. 3- بين المبتدأ وخبره كقوله: وفيهن، والأيام يعثرن بالفتى ... نوادب لا يمللنه ونوائح فقد فصل بين فيهن وهو خبر مقدم ونوادب وهو مبتدأ مؤخر بجملة والأيام يعثرن بالفتى. 4- وبين ما أصله المبتدأ والخبر كقول عوف بن محلم: إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان فقوله وبلغتها جملة دعائية اعترضت بين اسم ان وخبرها وأصلهما مبتدأ وخبر. 5- بين الشرط وجوابه كقوله تعالى «فإن لم تفعلوا. ولن تفعلوا، فاتقوا النار» وقد تقدم اعرابها. 6- بين القسم وجوابه كقول النابغة: لعمري وما عمري عليّ بهين ... لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع فقد اعترض بجملة وما عمري علي بهين بين القسم وجوابه. 7- بين الموصوف وصفته كقوله تعالى «وانه لقسم لو تعلمون عظيم» فقد اعترض بجملة لو تعلمون بين الموصوف وهو قسم وصفته وهو عظيم. 8- بين الموصول وصلته كقول الشاعر: واني لرام نظرة قبل التي ... لعلي وإن شطت نواها أزورها فاعترض بين التي وصلتها وهي أزورها بلعلي وخبر لعل محذوف أي لعلي أفعل ذلك. 9- بين حرف التنفيس والفعل كقول زهير: وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء وهذا الاعتراض في أثناء اعتراض آخر فإن سوف وما بعدها اعتراض بين أدري وجملة الاستفهام. 10- بين حرف النفي ومنفيه كقوله: فلا وأبي دهماء زالت عزيزة ... على قومها ما دام للزند قادح وهناك مواضع أخرى ضربنا عنها صفحا لندرة وقوعها ويمكن الرجوع إليها في المطولات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب