الباحث القرآني

* اللغة: (أَراذِلُنا) أسافلنا وفيه وجهان أحدهما أنه جمع الجمع فهو جمع أرذل بضم الذال جمع رذل بسكونها ككلب وأكلب وأكالب وثانيهما أنه جمع مفرد وهو أرذل كأكبر وأكابر وأبطح وأباطح وأبرق وأبارق والأرذل المرغوب عنه لرداءته، واختار الزمخشري الوجه الثاني ورجحه صاحب القاموس. (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهر الرأي وقد يهمز فيقال بادىء الرأي فمن لم يهمز أراد: أنت فيما بدا من الرأي، ومن همز أراد: أنت أول الرأي ومبتداه، ولأبي علي بحث طريف في هذا التعبير ننقله بنصه لفائدته: «المعنى فيمن قال بادي الرأي بلا همز فجعله من بدا إذا ظهر أي ما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي إن لم يتعقبوه بنظر فيه وروية، وهاتان الكلمتان تتقاربان في المعنى لأن الهمزة في اللام معناها ابتداء الشيء وأوله واللام إذا كانت واوا كان المعنى الظهور، وابتداء الشيء يكون ظهورا فلذلك يستعمل كل منهما مكان الآخر وجاز في اسم الفاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل نحو قريب ومليء لأن فاعلا وفعيلا يتعاقبان على المعنى نحو عالم وعليم وشاهد وشهيد وحسن ذلك إضافته إلى الرأي وقد أجروا المصدر أيضا في إضافته اليه في قولهم اما جهد رأيي فإني منطلق فهذا لا يكون إلا ظرفا» إلى آخر هذا البحث الممتع وسيرد المزيد في الاعراب. (الرَّأْيِ) : مصدر رأى رأيا ويجمع على آراء والرأي هو التفكر في مبادئ الأمور والنظر في عواقبها والعلم بما تئول اليه من الخطأ والصواب، وأصحاب الرأي عند الفقهاء هم أصحاب القياس والتأويل وقد أجمع الشعراء على امتداح الرأي فقال أبو فراس الحمداني: ولا أرضى الفتى ما لم يكمل ... برأي الكهل أقدام الغلام وقال أبو الطيب المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس حرة ... بلغت من العلياء كل مكان * الإعراب: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) جملة مستأنفة مسوقة للشروع في ذكر عدد من القصص تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم واعتبارا بها، وتأسيا بما لاقاه أصحابها وقد احتوت هذه السورة على سبع قصص واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وأرسلنا فعل وفاعل ونوحا مفعول به والى قومه جار ومجرور متعلقان بأرسلنا وإني بكسر الهمزة على إرادة القول وكثيرا ما يضمر وهو غني عن الشواهد وان واسمها ولكم متعلقان بنذير ونذير خبر إن ومبين صفته. (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أن مفسرة ولا ناهية وتعبدوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول به وإن واسمها وجملة أخاف خبرها وعليكم متعلقان بأخاف وعذاب يوم مفعول أخاف وأليم صفة ليوم. (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) الفاء عاطفة وقال الملأ فعل وفاعل والذين صفة للملأ وجملة كفروا صلة ومن قومه حال. (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) الجملة مقول القول وما نافية ونراك فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وإلا أداة حصر والرؤية تحتمل القلبية والبصرية فبشرا مفعول به ثان على الأولى وحال على الثانية ومثلنا صفة وما نراك عطف على ما نراك الأولى وهي أيضا تحتمل القلبية والبصرية فجملة اتبعك إما مفعول به ثان واما حال وإلا أداة حصر والذين فاعل اتبعك وهم أراذلنا مبتدأ وخبر والجملة صلة وبادي الرأي منصوب على الظرفية أي أول الرأي والعامل فيه اتبعك وقد تقدم القول مسهبا فيه، وقيل انتصب حالا من ضمير نوح في اتبعك أي وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك. (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) وما نرى عطف على ما تقدم ولكم متعلقان بنرى وعلينا متعلقان بفضل ومن حرف جر زائد وفضل مجرور لفظا مفعول به منصوب محلا وبل حرف إضراب وعطف ونظنكم عطف على ما نرى والكاف مفعول به أول وكاذبين مفعول به ثان. (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) الجملة مستأنفة مسوقة للتلطف بهم في الخطاب ومنا صفتهم ويا قوم منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة وأرأيتم تقدم الكلام عليه مفصلا ورأيتم فعل وفاعل أي اخبروني وهنا يتطلب البينة مفعولا به، وكنت تتطلب البينة مجرورة بعلى فأعمل الثاني وأضمر في الأول والتقدير أرأيتم البينة من ربي إن كنت عليها أنلزمكموها فحذف المفعول الأول والجملة الاستفهامية هي المفعول الثاني وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه، وإن شرطية وكنت فعل الشرط والتاء اسمها وعلى بينة خبر كنت ومن ربي صفة ومعنى على هنا الاستعلاء لأن صاحب البينة يكون مستعليا على سواه وقيل هي للمصاحبة بمعنى مع وليس ببعيد، وآتاني الواو عاطفة وآتاني فعل وفاعل مستتر ومفعول به ورحمة مفعول به ثان ومن عنده صفة لرحمة. (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) الفاء عاطفة وعميت فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هي وعليكم جار ومجرور متعلقان بعميت وسيأتي بيان حقيقة هذا التعبير في باب البلاغة وأ نلزمكموها الهمزة للاستفهام أي أنكرهكم عليها وفي هذا الفعل ثلاثة ضمائر الأول مستتر تقديره نحن وهو الفاعل والثاني ضمير المخاطب أي الكاف وهو المفعول الأول والثالث ضمير الغائب أي الهاء وهو المفعول الثاني، والميم علامة جمع الذكور والواو لإشباع حركة الضم على الميم وليست ضميرا وقد روعي الترتيب فيها لأن المتكلم أخص بالفعل ثم ضمير المخاطب ثم ضمير الغائب، وأنتم الواو للحال وأنتم مبتدأ ولها متعلقان بكارهون وكارهون خبر والجملة حالية وتقدم القول في جملة أنلزمكموها. * البلاغة: 1- في إسناد العمى إلى البينة مجاز عقلي تنزيلا لها منزلة من يعقل وحقيقته أن الحجة والبينة جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عميا لأن الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمي على القوم رائدهم الذي يسير بهم في المتاهات المظلمة والبوادي المتشعبة فبقوا حائرين يتخبطون ويلتمسون النجاة من حيرتهم وجملة بعضهم من باب القلب أي أنهم هم الذين عموا فيكون من باب أدخلت الخاتم في إصبعي وأدخلت القلنسوة في رأسي وقال الشاعر: ترى الشوك فيها مدخلا ظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع 2- التعريض في قوله «قال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي» وقد تقدم القول في التعريض وغرضهم هنا منه التعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد لجعلها فيهم وقد زعم هؤلاء أن يحجوا نوحا من وجهين أحدهما أن المتبعين أراذل ليسوا قدوة ولا أسوة والثاني انهم مع ذلك لم يترووا في اتباعه ولا أمعنوا الفكرة في صحة ما جاء به وإنما بادروا إلى ذلك ارتجالا ومن غير فكر ولا روية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب