الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ نَكَثُوا أيْمانَهم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا في دِينِكُمْ﴾ الآيَةَ. (p-١٨٣)يَدُلُّ عَلى أنَّ المُعاهَدَ لا يُقْتَلُ في عَهْدِهِ ما لَمْ يَنْكُثْ، وذِكْرُ الأمْرَيْنِ لا يَقْتَضِي تَوَقُّفَ قِتالِهِمْ عَلى وُجُودِهِما، فَإنَّ النَّكْثَ يَقْتَضِي ذَلِكَ بِانْفِرادِهِ عَقْلًا وشَرْعًا. فالمُرادُ بِهِ عَلى هَذا الوَجْهِ التَّمْيِيزُ في الجَمْعِ، وتَقْدِيرُهُ: فَإنْ نَكَثُوا حَلَّ قِتالُهم وإنْ لَمْ يَنْكُثُوا وطَعَنُوا في الدِّينِ مَعَ الوَفاءِ بِالعَهْدِ حَلَّ قِتالُهم. وهَذا يُقَوِّي مَذْهَبَ الشّافِعِيِّ، فَإنَّ المُعاهَدَ إذا جاهَرَ بِسَبِّ الرَّسُولِ، وطَعْنٍ في الدِّينِ، فَإنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُهُ وقِتالُهُوَأبُو حَنِيفَةَ رَأى أنَّ مُجَرَّدَ الطَّعْنِ في الدِّينِ لا يُنْقَضُ بِهِ العَهْدُ، ولا شَكَّ أنَّ دِلالَةَ الآيَةِ قَوِيَّةٌ فِيما قالَهُ الشّافِعِيُّ. فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ قالَ: فَقاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ؟ ولِمَ خَصَّصَهم بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ القِتالِ مِن جَمِيعِهِمْ؟ الجَوابُ: أنَّ مِنَ المُحْتَمَلِ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ أنَّ المُقْدِمَ عَلى الطَّعْنِ في الدِّينِ ونَكْثِ العَهْدِ صارَ أصْلًا ورَأْسًا في الكُفْرِ، فَهو مِن أئِمَّةِ الكُفْرِ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ، أوْ عَنى بِهِ المُقَدَّمِينَ والرُّؤَساءَ مِنهُمْ، وأنَّ قِتالَهم قِتالُ أتْباعِهِمْ، وأبانَ أنَّهم لا يَحْتَرِمُونَ ولا يَهابُونَ. وقَدْ قِيلَ: عَنى بِهِ صَنادِيدَ قُرَيْشٍ، كَأبِي جَهْلٍ وعُتْبَةَ وشَيْبَةَ وأُمَيَّةَ ابْنَ خَلَفٍ. وهَذا بَعِيدٌ: فَإنَّ الآيَةَ في سُورَةِ بَراءَةٌ، وحِينَ نَزَلَتْ وقُرِئَتْ عَلى النّاسِ اسْتُؤْصِلَ شَأْفَةُ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنهم إلّا مُسْلِمٌ أوْ مُسالَمٌ. * * * (p-١٨٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم لا أيْمانَ لَهُمْ﴾ أيْ لا أيْمانَ لَهم يُفُونَ بِها، ويَثْبُتُونَ عَلَيْها. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّهم يَنْتَهُونَ﴾ . أبانَ بِهِ أنَّ الغَرَضَ مِن قِتالِ الكُفّارِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ طَلَبَ إسْلامِهِمْ، فَمَن رَجا مِنهُمُ الإسْلامَ وتَطَلَّبَ تَعْرِيفَ الحَقِّ يَجِبُ السَّعْيُ في بَيانِ ذَلِكَ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَعَلَّهم يَنْتَهُونَ﴾ أيْ كَيْ يَنْتَهُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وباطِلِهِمْ وأذِيَّتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الغَرَضُ مِن قِتالِهِمْ، إمّا دَفْعَ ضَرَرِهِمْ فَيَنْتَهُونَ عَنْ قِتالِنا، وإمّا الِانْتِهاءَ عَنْ كُفْرِهِمْ بِإظْهارِ الإسْلامِ. وقَدْ قِيلَ: قَوْلُهُ ﴿أئِمَّةَ الكُفْرِ﴾ نَزَلَ في اليَهُودِ الَّذِينَ غَدَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ونَكَثُوا ما كانُوا أعْطَوْا مِنَ العُهُودِ والأيْمانِ، عَلى أنْ لا يُعِينُوا عَلَيْهِ أعْداءَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ، وهَمُّوا بِمُعاوَنَةِ المُنافِقِينَ والكُفّارِ عَلى إخْراجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَأخْبَرَ أنَّهم بَدَءُوا بِالنَّكْثِ والنَّقْضِ، وقالَ بَعْدَهُ: ( ألّا تُقاتِلُونَ قَوْما نَكَثُوا أيْمانَهم مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وهَمُّوا ) وكُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب