الباحث القرآني
(p-١٤٩)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الأنْفالِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾، الآيَةَ: ١. اعْلَمْ أنَّ النَّفْلَ هو الزِّيادَةُ في اللُّغَةِ عَلى القَدْرِ المُسْتَحَقِّ، ومِنهُ النَّوافِلُ. والنَّفْلُ يَكُونُ مِنَ الإمامِ لِلسَّرايا الَّتِي تَتَقَدَّمُ الجَيْشَ الأعْظَمَ، مِثْلَ أنْ يَقُولَ لِلسِّرِيَّةِ: لَكُمُ الرُّبْعُ بَعْدِ الخُمْسِ. أوْ يَقُولُ: مَن أصابَ سَهْمًا فَهو لَهُ، عَلى وجْهِ الحَثِّ عَلى القِتالِ والتَّضْرِيَةِ عَلى العَدْوِ. أوْ يَقُولُ: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. فَأمّا بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ فَلا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَنْفُلَ شَيْئًا مِن نَصِيبِ الجَيْشِ، ويَجُوزُ لَهُ أنْ يَنْفُلَ مِنَ الخُمُسِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ فَقَدْ رُوِيَ «عَنْ سَعْدٍ أنَّهُ قالَ: (p-١٥٠)أصَبْتُ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا، فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: نَفِّلْنِيهِ: فَقالَ: ضَعْهُ مِن حَيْثُ أخَذْتَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾، قالَ: فَدَعانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: اذْهَبْ خُذْ سَيْفَكَ». ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾، الأنْفالُ: هي الغَنائِمُ الَّتِي كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً لَيْسَ لِأحَدٍ فِيها شَيْءٌ، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] .
ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ تَحِلَّ الغَنائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّؤُوسِ قَبْلَكُمْ، كانَتْ تَنْزِلُ نارٌ مِنَ السَّماءِ فَتَأْكُلُها، فَلَمّا كانَ يَوْمَ بَدْرٍ أسْرَعَ النّاسُ في الغَنائِمِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٨] ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩]».
ورَوَوْا عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ وابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِما «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَفَلَ يَوْمَ بَدْرٍ أنْفالًا كَثِيرَةً مُخْتَلِفَةً وقالَ: مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ. واخْتَلَفَتِ الصَّحابَةُ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ حَمَيْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وكُنّا رَدْءًا لَكم. وقالَ قَوْمٌ: نَحْنُ قاتَلْنا وأخَذْنا، فَلَمّا اخْتَلَفْنا وساءَتْ أخْلاقُنا انْتَزَعَهُ اللَّهُ مِن أيْدِينا وجَعَلَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَسَّمَهُ غَيْرَ الخُمُسِ، وكانَ في ذَلِكَ تَقْوًى وطاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وصَلاحُ ذاتِ البَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعالى: (p-١٥١)﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالِ لِلَّهِ والرَّسُولِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾، فَقالَ ﷺ: ”لِيَرُدَّ قَوِيُّ المُسْلِمِينَ عَلى ضَعِيفِهِمْ“». وبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ ذَلِكَ مِمّا يَظْهَرُ بِهِ إيمانُهُمْ، وأنَّهُ لا يَجِدُونَ في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا بِما قَضى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ تَعالى، فَهو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .
قالَ الرّازِيُّ: وهَذا غَلَطٌ، وإنَّما «قالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: ”مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ“» . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالِ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ .
نَزَلَ بَعْدَ حِيازَةِ غَنائِمِ بَدْرٍ، وما كانَتِ الغَنائِمُ قَبْلَ ذَلِكَ تَحِلُّ. وهَذا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِإمْكانِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أحَلَّها يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ، ولَكِنْ لَمّا اخْتَلَفُوا انْتَزَعَ مِنهم وجَعَلَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
ومِمّا قالَهُ في ذَلِكَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَيْفَ يَقُولُ: «مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ ويُخْلِفُ وعْدَهُ». وهَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإنَّهُ ما أخْلَفَ وعْدَهُ، لِإمْكانِ أنَّهُ كانَ كَذَلِكَ، ولَكِنْ ورَدَ بَعْدَهُ النّاسِخُ، لِما اخْتَلَفُوا، وإنَّما جُعِلَ لَهم ذَلِكَ بِشَرْطِ ألّا يَخْتَلِفُوا، خَلا خَبَرٍ فِيما قالَهُ. فَإذا ثَبَتَ ذَلِكَ، فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ ظاهِرٌ في أنَّهم سَألُوهُ عَنْ مالٍ مَعْلُومٍ، وأنَّ الجَوابَ في ذَلِكَ: أنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ والرَّسُولِ، (p-١٥٢)ومَعْلُومٌ أنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهو لِلَّهِ تَعالى مِلْكًا حَقًّا، فَلَمْ يَخْتَلِفِ العُلَماءُ أنَّ المُرادَ بِهِ: اسْتِضْياعُ كَلامٍ. فَتَحَصَّلَ مِنَ الجَوابِ أنَّ الأنْفالَ لِلرَّسُولِ.
وظاهِرُ هَذا القَوْلِ يَقْتَضِي أمْرَيْنِ: إمّا أنْ يَكُونَ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أوْ وضَعَهُ حَيْثُ يُرِيدُ، وإنْ لَمْ يَمْلِكْهُ حَقِيقَةً. فَعَلى هَذا الوَجْهِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يَنْفُلَ ذَلِكَ عَلى المُجاهِدِينَ عَلى ما يَراهُ صَلاحًا. وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ ذَلِكَ مِلْكُ الرَّسُولِ أوْ كالمِلْكِ لَهُ، حَتّى يَصْرِفَهُ إلى مَن شاءَ.
وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ كالدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ مَتى أرادَ وضْعَ ذَلِكَ فِيهِمْ تَنازَعُوا واخْتَلَفُوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ، بَعْثًا لَهم عَلى الرِّضا بِما يَفْعَلُهُ مِنَ القِسْمَةِ بَيْنَهُمْ، وذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ ولا لَهم وإلّا كانُوا في ذَلِكَ كَغَيْرِهِمْ، وكانَ لا يَكُونُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ مَعْنًى، فَإنْ أرادَ المُرِيدُ بِالمُلْكِ أنَّ لَهُ أنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ عَلى ما يَراهُ ويَخْتارُهُ فَنِعْمَ، وإنْ أرادَ بِهِ الِاسْتِبْدادَ والِانْتِفاعَ بِهِ، فَما ذَكَرْناهُ كالمانِعِ مِنهُ، وقِيلَ لِذَلِكَ نَفْلٌ، لِأنَّ الغَنائِمَ لَمّا لَمْ تَكُنْ مُباحَةً مِن قَبْلُ، كانَتْ كَأنَّها عَطِيَّةٌ زائِدَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَسُمِّيَتْ أنْفالًا لِذَلِكَ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُوا۟ ذَاتَ بَیۡنِكُمۡۖ وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











