الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والهَدْيَ مَعْكُوفًا أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ الآيَةَ. ولَوْ كانَ بَلَغَ الحَرَمَ وذَبَحَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا عَنْ بُلُوغِ الحَرَمِ، ثُمَّ لَمّا وقَعَ الصُّلْحُ زالَ المَنعُ، فَبَلَغَ مَحَلَّهُ في الحَرَمِ، وذَلِكَ أنَّهُ إذا حَصَلَ المَنعُ في أدْنى وقْتٍ، فَجائِزٌ أنْ يُقالَ قَدْ مُنِعَ كَما قالَ تَعالى: ﴿يا أبانا مُنِعَ مِنّا الكَيْلُ﴾ [يوسف: ٦٣] . وإنَّما مُنِعَ في وقْتٍ وأُطْلِقَ في وقْتٍ آخَرَفالأوَّلُ احْتِجاجُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ، والثّانِي تَأْوِيلُ أصْحابِ أبِي حَنِيفَةَ، والأوَّلُ أظْهَرُ، فَإنَّهُ لَوْ ذَبَحَ في الحَرَمِ لَمْ يُطْلَقْ عَلى الشَّيْءِ الواحِدِ أنَّهُ مُنِعَ عَنْ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، وقَدْ وصَلَ مَحِلَّهُ، ولَيْسَ كَما احْتَجُّوا بِهِ في الآيَةِ، فَإنَّ الكَيْلَ مُنِعَ في وقْتٍ وقِيلَ: ﴿فَإنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ﴾ [يوسف: ٦٠] مُطْلَقًا، وإنْ أحْضَرْتُمُوهُ فَلَكُمُ الكَيْلُ، وهاهُنا بِخِلافِهِ، فَإنَّ الهَدْيَ بَعْدَ الصُّلْحِ إنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ لَمْ يَجُزْ أنْ يُقالَ إنَّهُ بِعَيْنِهِ مُنِعَ عَنْ مَحِلِّهِ، وهَذا ظاهِرٌ بَيِّنٌ. وأصْحابُ أبِي حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المَحَلَّ هو الحَرَمُوَقالَ: ﴿ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكم حَتّى (p-٣٧٩)يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] وهو الحَرَمُ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابًا ألِيمًا﴾ الآيَةَ. فِيهِ دَلالَةٌ عَلى ما قالَهُ الشّافِعِيُّ ومالِكٌ، إنَّهُ لا يُحْرَقُ سَفِينَةُ الكُفّارِ إذا كانَ فِيها أُسارى المُسْلِمِينَ، ولَوْ تَزَيَّلَ المُؤْمِنُونَ لَعَذَّبَ الكُفّارَوَكَذَلِكَ في إحْراقِ الحُصُونِ إذا كانَ فِيها أُسارى المُسْلِمِينَ. وأبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ وزُفَرُ ومُحَمَّدٌ والثَّوْرِيُّ جَوَّزُوا رَمْيَ حُصُونِ الكافِرِينَ، وإنِ اشْتَمَلَتْ عَلى الأُسارى والأطْفالِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وزادُوا فَقالُوا: لَوْ تَتَرَّسَ الكَفّارُ بِأطْفالِ المُسْلِمِينَ رُمِيَ المُشْرِكُونَ، وإنْ أصابُوا أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ في ذَلِكَ فَلا دِيَةَ ولا كَفّارَةَوَقالَ الثَّوْرِيُّ: فِيهِ الكَفّارَةُ ولا دِيَةَ فِيهِ. نَعَمْ، لا يُمْنَعُ نَصْبُ المَجانِقِ عَلى الحُصُونِ مَعَ اشْتِمالِها عَلى أطْفالِ المُشْرِكِينَ مَعَ أنَّهُ لا عِصْمَةَ لِلْأطْفالِ تَحْقِيقًا لِلْحُكْمِ بِكُفْرِهِمْ، ولِأطْفالِ المُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وحُرْمَةٌ. ويَحْتَجُّ الشّافِعِيُّ أيْضًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ﴾ الآيَةَ، وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى مَنعِ رَمْيِ الكُفّارِ لِأجَلِ (p-٣٨٠)مَن فِيهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ، وتَمامُ الِاحْتِجاجِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَمْ تَعْلَمُوهم أنْ تَطَئُوهم فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الآيَةَ. فَلَوْلا الحَظْرُ ما أصابَتْهم مَعَرَّةٌ مِن قَتْلِهِمْ بِإصابَتِهِمْ إيّاهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب