الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ الآيَةُ: رُوِيَ «عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أمْوالِ اليَتامى كَرِهُوا أنْ يُخالِطُوهُمْ، فَجَعَلَ ولِيُّ اليَتِيمِ يَعْزِلُ مالَ اليَتِيمِ عَنْ مالِهِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]» . وإنَّما قالَ الحَسَنُ ذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَهم إلى (p-٣٠٩)أمْوالِكُمْ﴾، وكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ البُلُوغِ لا يَتَقَرَّرُ، والمَعْنى بِقَوْلِهِ: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾، أيْ أمْوالَهم لِلْأكْلِ والشُّرْبِ واللِّباسِ والثِّيابِ والمَفارِشِ والمَساكِنِ، فَلَمّا نَزَلَ ذَلِكَ، عَزَلَ أوْلِياءُ اليَتامى طَعامَهم مِن طَعامِ اليَتامى، ومَلابِسَهم مِن مَلابِسِ اليَتامى، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ مِن طَعامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ حَتّى يَأْكُلَهُ أوْ يَفْسَدَ، فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] الآيَةُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ عَنى بِهِ البالِغَ، وسُمِّيَ يَتِيمًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالبُلُوغِ، ولِذَلِكَ قالَ: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ . والظّاهِرُ مِنهُ أنَّهم يُؤْتَوْنَ أمْوالَهم إيتاءً لا بِمَعْنى الإطْعامِ والكُسْوَةِ، ولَكِنَّهُ بِمَعْنى تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، ونَهى الوَلِيَّ عَنْ إمْساكِ مالِهِ بَعْدَ البُلُوغِ عَنْهُ، ولَكِنْ لَمْ يُشْتَرَطِ الرُّشْدَ ها هُنا، وشَرْطُ إيناسِ الرُّشْدِ والِابْتِلاءِ في قَوْلِهِ: ﴿وابْتَلُوا اليَتامى حَتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإنْ آنَسْتُمْ مِنهم رُشْدًا فادْفَعُوا إلَيْهِمْ أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]، فَكانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا وهَذا مُقَيَّدٌ. وذَكَرَ الرّازِي في أحْكامِ القُرْآنِ: أنَّهُ لَمّا لَمْ يُقَيَّدِ الرُّشْدُ في مَوْضِعٍ، وقُيِّدَ في مَوْضِعٍ، وجَبَ اسْتِعْمالُهُما والجَمْعُ بَيْنَهُما فَأقُولُ: إذا بَلَغَ خَمْسًا وعِشْرِينَ سَنَةً وهو سَفِيهٌ لَمْ يُؤْنَسْ مِنهُ الرُّشْدُ، وجَبَ دَفْعُ المالِ إلَيْهِ، وإنْ كانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَمَلًا بِالآيَتَيْنِ، وهَذا في غايَةِ البُعْدِ، فَإنَّهُ تَعالى قالَ: (p-٣١٠)﴿وابْتَلُوا اليَتامى حَتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ﴾ [النساء: ٦]، وذَلِكَ يَقْتَضِي اعْتِيادَ إيناسِ الرُّشْدِ عَقِيبَ بُلُوغِ النِّكاحِ مِن غَيْرِ تَطاوُلِ المُدَّةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾، يَقْتَضِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَإنَّ اسْمَ اليَتِيمِ إنَّما يُطْلَقُ عَلى قَبْلِ البُلُوغِ حَقِيقَةً، وعَلى قُرْبِ العَهْدِ بِالبُلُوغِ مَجازًا، فَإمّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ يَتَناوَلُ ابْنَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً فَصاعِدًا إلى مِائَةٍ، وهو جَهْلٌ عَظِيمٌ. والعَجِيبُ أنَّ أبا حَنِيفَةَ إنَّما أطْلَقَ الحَجْرَ، لِأنَّهُ قالَ قَدْ بَلَغَ أشُدَّهُ وصارَ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ جَدًّا، فَإذا صارَ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ جَدًّا، فَكَيْفَ يَصِحُّ إعْطاؤُهُ المالَ بِعِلَّةِ اليُتْمِ، وبِاسْمِ اليُتْمِ، وهَلْ ذَلِكَ إلّا في غايَةِ البُعْدِ؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب