الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ الآيَةَ. ذَكَرَ المُحَقِّقُونَ الَّذِينَ يَرَوْنَ تَنْزِيهَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَنِ الكَبائِرِ، أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ قَدْ أقْدَمَ عَلى خِطْبَةِ امْرَأةٍ كانَ قَدْ خَطَبَها غَيْرُهُ، ويُقالُ: هي أُورِيّا، فَمالَ القَوْمُ إلى تَزْوِيجِها مِن داوُدَ راغِبِينَ فِيهِ، (p-٣٦٠)وزاهِدِينَ في الخاطِبِ الأوَّلِ، ولَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ عارِفًا، وقَدْ كانَ يُمْكِنُهُ أنْ يَعْرِفَ فَيَعْدِلَ عَنْ هَذِهِ الرَّغْبَةِ وعَنِ الخِطْبَةِ لَها، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِن حَيْثُ أُعْجِبَ بِها. إمّا وصْفًا أوْ مُشاهَدَةً عَلى غَيْرِ تَعَمُّدٍ، وقَدْ كانَ لِداوُدَ مِنَ النِّساءِ العَدَدُ الكَثِيرُ، وذَلِكَ الخاطِبُ لا امْرَأةَ لَهُ، فَنَبَّهَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى ما فَعَلَ، بِما كانَ مِن تَسَوُّرِ المَلَكَيْنِ، وما أوْرَداهُ مِنَ التَّمْثِيلِ عَلى وجْهِ التَّعْرِيضِ، لِكَيْ يُفْهَمَ مِن ذَلِكَ مَوْضِعُ العَتْبِ، فَيَعْدِلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، ويَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ مِن هَذِهِ الصَّغِيرَةِ. ومَتى قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَقُولَ المَلَكانِ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، وهو كَذِبٌ، والمَلائِكَةُ لا تَكْذِبُ وهي مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ؟ فالجَوابُ عَنْهُ: أنَّهُ لا بُدَّ في الكَلامِ مِن مُقَدِّمَةٍ، فَكَأنَّهُما قالا: قَدَرْنا كَأنّا خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ، وعَلى هَذا يُحْمَلُ قَوْلُهُما: ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾، [ص: ٢٣] لِأنَّ ذَلِكَ وإنْ كانَ بِصُورَةِ الخَبَرِ، فالمُرادُ بِهِ إيرادُهُ عَلى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ لِيُنَبِّهَ داوُدَ عَلى ما فَعَلَ. والقَوْلُ في هَذا مُسْتَقْصًى في تَبْرِئَةِ الأنْبِياءِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب