الباحث القرآني

(p-٣٥٦)(p-٣٥٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الصّافّاتِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ﴾ الآيَةَ، ظاهِرُهُ أنَّهُ كانَ مَأْمُورًا بِذَبْحِ الوَلَدِ، ويَجُوزُ أنْ لا يَكُونَ في المَأْمُورِ بِهِ سِوى التَّلِّ لِلْجَبِينِ، ولَكِنْ ظَنَّ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ يَتَعَقَّبَهُ الأمْرُ بِالذَّبْحِ فَقالَ: ﴿إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ﴾ . أيْ ما يَدُلُّ عَلى أنِّي أذْبَحُكَ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَدْ أمَرَ بِذَبْحِهِ حَقِيقَةً، ولَكِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ، فَلا يَصِحُّ نَسْخُهُ عِنْدَ مَن لا يُجَوِّزُ النَّسْخَ، قَبْلَ إمْكانِ الأمْرِ، لِأنَّ الذَّبْحَ مَتى كانَ حَسَنًا في وقْتٍ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَصِيرَ في ذَلِكَ الوَقْتِ قَبِيحًا عِنْدَهُمْ، فَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الخُرُوجُ عِنْدَ ذَلِكَ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَدْ ذَبَحَ ولَكِنَّهُ كانَ يَلْتَئِمُ ويَبْرَأُ، وهَذا أبْعَدُ الِاحْتِمالاتِ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ جَرى ذَلِكَ، لَكانَ قَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لِرُتْبَةِ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِما، وكانَ أوْلى بِالشَّأْنِ مِن هَذا، ولَوْ حَصَلَ الفَراغُ مِنِ امْتِثالِ الأمْرِ الأوَّلِ ما تَحَقَّقَ الفِداءُ. (p-٣٥٨)إذا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ مِن أصْحابِ أبِي حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الآيَةِ في مَصِيرِهِمْ، إلى مَن نَذَرَ ذَبْحَ ولَدِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شاةٍ عِنْدَهُمْ، وقالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ الأمْرَ بِذَبْحِ الوَلَدِ في حالَةِ حَرَّمَ ذَبْحَ الوَلَدِ سَبَبًا لِوُجُوبِ ذَبْحِ شاةٍ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ إيجابُ الواحِدِ مِنّا ذَبْحَ ولَدِهِ عَلى نَفْسِهِ سَبَبًا لِذَبْحِ شاةٍ، ويُجْعَلُ اللَّفْظُ عِبارَةً عَنْ ذَبْحِ شاةٍ. وهَذا إغْفالٌ مِنهُمْ، فَإنَّهُ إنْ ثَبَتَ أنَّ إبْراهِيمَ كانَ مَأْمُورًا بِذَبْحِ الوَلَدِ، فَقَدِ ارْتَفَعَ الأمْرُ إلى بَدَلِ جَعْلِ فِداءٍ، فَكانَ الأمْرُ مُتَقَرِّرًا في الأصْلِ، ثُمَّ أُزِيلَ ونُسِخَ إلى بَدَلٍ، وفِيما نَحْنُ فِيهِ لا أمْرَ بِذَبْحِ الوَلَدِ، بَلْ هو مَعْصِيَةٌ قَطْعًا، فَلَمْ يَكُنْ لِلْأمْرِ تَعَلُّقٌ بِذَبْحِ الوَلَدِ بِحالٍ، فَإذا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بِحالٍ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَجْعَلَ لَهُ فَداءً وخَلَفًا، وقَدِ اسْتَقْصَيْنا هَذا في كُتُبِ الفِقْهِ وهو مَقْطُوعٌ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب