الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها﴾ الآيَةَ. ظاهِرُ الآيَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ واللَّهِ ورَسُولِهِ، ولَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّلاقِ. وقَدْ قالَ قَوْمٌ: إنَّهُ كِنايَةٌ عَنِ التَّخْيِيرِ لِلطَّلاقِ عَلى شَرائِطِهِ، ولِذَلِكَ «قالَتْ عائِشَةُ لَمّا سُئِلَتْ عَنِ الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأتَهُ قالَتْ: خَيَّرَنا رَسُولُ اللَّهِ وكانَ طَلاقًا. وفِي بَعْضِ الأخْبارِ: ما خَيَّرْناهُ فَلَمْ يَعُدْ طَلاقًا». ولَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا التَّخْيِيرُ المَأْمُورُ بِهِ، وقَدْ «قالَ ﷺ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أنا ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا فَلا عَلَيْكِ أنْ تُعَجِّلِي فِيهِ حَتّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ، فَقالَتْ: إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ». ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يَرِدِ الِاسْتِئْمارُ في اخْتِيارِ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ، فَثَبَتَ أنَّ الِاسْتِئْمارَ إنَّما وقَعَ في الفُرْقَةِ وفي النِّكاحِ. واعْلَمْ أنَّ اخْتِيارَهُنَّ لِلدُّنْيا وزِينَتِها وإرادَتَهُنَّ الطَّلاقَ، لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صَرِيحًا في الطَّلاقِ، ولا كِنايَةَ، وإنَّما ذَلِكَ إرادَةُ المُفارَقَةِ، فَكانَ القِياسُ أنَّ الزَّوْجَ يُطَلِّقُها إنْ شاءَ، غَيْرَ أنَّ الطَّلاقَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا واجِبًا، (p-٣٤٦)إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا واجِبًا ما كانَ لِلتَّخَيُّرِ مَعْنًى، فَإذا تَبَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ خَلاصِهِنَّ، فَوُجُوبُ الفِراقِ لا مَحالَةَ يُقْتَضى بِتَخْيِيرِهِ، فَإنَّ النِّكاحَ صارَ مُسْتَحَقَّ الرَّفْعِ وهَذا بَيِّنٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب