الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ﴾ - إلى قَوْلِهِ- ﴿وإذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ الآيَةَ. يَدُلُّ عَلى أنَّ مِنَ الإيمانِ أنْ يَسْتَأْذِنُوا الرَّسُولَ في الِانْصِرافِ عَنْهُ في كُلِّ أمْرٍ يَجْتَمِعُونَ مَعَهُ فِيهِ، وقَدْ رَوى مُجاهِدٌ، أنَّ المُرادَ بِهِ الجُمْعَةَ والغَزْوَ. وقالَ الحَسَنُ: الجُمْعَةُ والأعْيادُ وكُلُّ ما فِيهِ خُطْبَةٌ. ثُمَّ خَيَّرَ اللَّهُ تَعالى رَسُولَهُ في اخْتِيارِ مَن يَغْزُو مَعَهُ، وبَيَّنَ أنَّ الَّذِي يَنْعَتُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ لَهُ أنْ يَتَخَلَّفَ ويُحِيلَ عَلى غَيْرِهِ. والَّذِي يَشْهَدُ بِهِ الظّاهِرُ أنَّ كُلَّ أمْرٍ جامِعٍ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِ غَرَضٌ، فَلَيْسَ لَهم أنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُ ما دامَ الغَرَضُ قائِمًا، ويَدْخُلُ فِيهِ (p-٣٢٦)الغَزْوُ والجَماعاتُ، ولَكِنَّ هَذا الأمْرَ هو أخَصُّ بِالغَزْوِ، فَإنَّهم قَدْ كانُوا يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ مِن غَيْرِ إذْنِهِ، فَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ في الغَرَضِ المَطْلُوبِ، فَمَنَعَ اللَّهُ تَعالى مِن ذَلِكَ، وبَيَّنَ أنَّ الأمْرَ في انْصِرافِهِ مَوْقُوفٌ عَلى إذْنِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾، عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهم أنْ يَسْتَأْذِنُوا، إلّا إذا عَرَضَتْ لَهم حاجَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ لَهم حاجَةٌ، فَمُلازَمَةُ الرَّسُولِ أوْلى. وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى ما يَلْزَمُ مِن أدَبِ الدِّينِ، وأدَبِ النَّفْسِ، فَمِن هَذا الوَجْهِ قالَ الحَسَنُ: لا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ والإمامِ فِيما يَلْزَمُهم مِن ذَلِكَ، ولا يَمْنَعُ مِن حَيْثُ تَضَمَّنَ هَذا الظّاهِرُ أدَبَ النَّفْسِ أنْ يَكُونَ الأوْلى بِالمُرادِ: إذا اجْتَمَعَ جَمْعٌ لِخَيْرِ أنْ لا يَتَفَرَّقَ عَنْهم إلّا بِإذْنٍ، لِما في تَفْرِقَتِهِ مِنِ اخْتِلالِ ذَلِكَ الأمْرِ المَطْلُوبِ، والِاجْتِماعُ عَلَيْهِ أقْرَبُ إلى التَّعاوُنِ عَلى التَّقْوى.وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾، يَدُلُّ عَلى أنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ إلّا لِمَن تَكامَلَ إيمانُهُ، لِأنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ تَقَدَّمَ فِيما ذَكَرْناهُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ أنَّ مَن أُذِنَ لَهُ في مُفارَقَةِ الجِهادِ لِبَعْضِ شَأْنِهِ، يَكُونُ في الظّاهِرِ مُقَصِّرًا أوْ مُتَأخِّرًا في الفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِ، فَأمَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، لِيَكُونَ اسْتِغْفارُهُ جَبْرًا لِهَذا النَّقْصِ، فَلا يَنْكَسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ قَلْبُ هَذا المُتَأخِّرِ عَنِ الجَمْعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب