الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ الآيَةُ:
أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ المُرادَ بِبُلُوغِ الأجَلِ مُقارَبَةُ البُلُوغِ، ولِذِكْرِ بُلُوغِ الأجَلِ -والمُرادُ بِهِ: مُقارَبَتُهُ دُونَ انْقِضائِهِ- نَظائِرُ كَثِيرَةٌ مِنَ القُرْآنِ واللُّغَةِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] ومَعْناهُ: إذا أرَدْتُمُ الطَّلاقَ وقارَبْتُمْ أنْ تُطَلِّقُوا فَطَلِّقُوا لِلْعِدَّةِ.
وقالَ تَعالى: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل: ٩٨] . (p-١٨٢)ومَعْناهُ: إذا أرَدْتَ قِراءَتَهُ.
وقالَ: ﴿وإذا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] .
ولَيْسَ المُرادُ بِهِ العَدْلَ بَعْدَ القَوْلِ، لَكِنْ قَبْلَهُ يَعْزِمُ عَلى أنْ لا يَقُولَ ِلّا عَدْلًا، فَعَلى هَذا ذُكِرَ بُلُوغُ الأجَلِ، والمُرادُ بِهِ مُقارَبَتُهُ دُونَ وُجُودِ نِهايَتِهِ.
وإنَّما ذَكَرَ مُقارَبَتَهُ البُلُوغَ عِنْدَ الأمْرِ بِالإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ -وإنْ كانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ في سائِرِ أحْوالِ بَقاءِ النِّكاحِ- لِأنَّهُ وصَلَ بِهِ التَّسْرِيحَ وهو انْقِضاءُ العِدَّةِ وجَمَعَهُما في الأمْرِ، ومَعْلُومٌ أنَّ التَّسْرِيحَ لَهُ حالَةٌ واحِدَةٌ لا تَدُومُ، فَخَصَّ حالَةَ بُلُوغِ الأجَلِ بِذَلِكَ، لِيَنْتَظِمَ المَعْرُوفُ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا.
وقَوْلُهُ: ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]: إباحَةُ الإمْساكِ بِمَعْرُوفٍ، فَهو القِيامُ بِما يَجِبُ لَها مِن حَقٍّ عَلى زَوْجِها.
والتَّسْرِيحُ بِالإحْسانِ أنْ لا يَقْصِدَ مُضارَّتَها لِتَطْوِيلِ العِدَّةِ عَلَيْها بِالمُراجَعَةِ، وتَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ: ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا﴾ .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الفِراقِ بِالمَعْرُوفِ أنْ يُمَتِّعَها عِنْدَ الفُرْقَةِ.
فَإذا ثَبَتَ ذَلِكَ فالشّافِعِيُّ يَقُولُ:
”إنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأتِهِ فَلَيْسَ يُمْسِكُها بِمَعْرُوفٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أنْ (p-١٨٣)يُسَرِّحَها بِإحْسانٍ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لا ثالِثَ لَهُما، فَإذا عَجَزَ عَنْ أحَدِهِما تَعَيَّنَ الثّانِي“ اهـ.
فَظَنَّ بَعْضُ الجَهَلَةِ أنَّ العاجِزَ مُمْسِكٌ بِمَعْرُوفٍ إذْ لَمْ يُكَلَّفِ الإنْفاقَ في هَذِهِ الحالَةِ، وهَذا جَهْلٌ وحُمْقٌ، فَإنَّ العاجِزَ إنَّما لَمْ يُكَلَّفْ ما عَجَزَ عَنْهُ، ونَحْنُ لا نُكَلِّفُهُ النَّفَقَةَ، إلّا أنّا نَقُولُ:
إذا عَجَزَ عَنِ الإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ، فالتَّسْرِيحُ بِالإحْسانِ مَقْدُورٌ.
نَعَمْ؛ إذا قَدَرَ عَلى نَفَقَةِ المُعْسِرِينَ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ.
ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ العُلَماءَ قالُوا: إذا عَجَزَ عَنِ الإنْفاقِ عَلى عَبْدِهِ أوْ أمَتِهِ يُقالُ لَهُ: بِعْ عَبْدَكَ أوْ أمَتَكَ، لا عَلى مَعْنى أنّا نُكَلِّفُ العاجِزَ، ولَكِنْ إنْ عَجَزَ عَنِ النَّفَقَةِ، فَلَمْ يَعْجِزْ عَنِ البَيْعِ.
وإمْساكُ العَبْدِ بِالمَعْرُوفِ لَيْسَ مَنصُوصًا عَلَيْهِ، وإنَّما هو مَفْهُومٌ مِنَ النِّكاحِ، فالنِّكاحُ بِذَلِكَ أوْلى.
قَوْلُهُ: ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا﴾:
بَيانُ النَّهْيِ عَنْ تَطْوِيلِ العِدَّةِ عَلَيْها بِالمُراجَعَةِ، إذا قارَبَ انْقِضاءَ العِدَّةِ راجَعَها، فَأمَرَ اللَّهُ تَعالى بِالإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ، ونَهاهُ عَنْ مُضارَّتِها بِتَطْوِيلِ العِدَّةِ عَلَيْها.
وقَوْلُهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ .
يَدُلُّ عَلى أنَّ الرَّجْعَةَ تَنْعَقِدُ عَلى هَذا الوَجْهِ، ويَكُونُ بِذَلِكَ ظالِمًا، ولَوْ لَمْ يَثْبُتِ التَّطْوِيلُ بِهِ ما كانَ ظالِمًا، وكانَتْ رَجَعَتُهُ لَغْوًا لا حُكْمَ لَها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ . (p-١٨٤)فَرُوِيَ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ أنَّهُ كانَ الرَّجُلُ يُطْلِّقُ امْرَأتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ: كُنْتُ لاغِيًا، ويُعْتِقُ، ويَرْجِعُ، ويَقُولُ: كُنْتُ لاغِيًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ .
ورُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ:
«ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلاقُ، والنِّكاحُ، والرَّجْعَةُ» .
وإنَّما ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، تَفْسِيرًا لِكِتابِ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟ۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق