الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامُ﴾ الآيَةُ. رُوِيَ «عَنِ الحَسَنِ أنَّ مُشْرِكِي العَرَبِ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: أنُهِيتَ عَنْ قِتالِنا في الشَّهْرِ الحَرامِ؟ قالَ: نَعَمْ، فَأرادَ المُشْرِكُونَ أنْ يَغْتَرُّوهُ في الشَّهْرِ الحَرامِ فَيُقاتِلُوهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ (p-٨٦)يَعْنِي إذا اسْتَحَلُّوا مِنكم فاسْتَحِلُّوا مِنهم مِثْلَهُ». ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ والضَّحّاكِ، أنَّ قُرَيْشًا لَمّا رَدَّتْ رَسُولَ اللَّهِ عامَ الحُدَيْبِيَةِ -مُحْرِمًا في ذِي القِعْدَةِ- عَنِ البَلَدِ الحَرامِ فَأعادَهُ اللَّهُ إلَيْهِ في مِثْلِ ذَلِكَ الوَقْتِ فَقَضى عُمْرَتَهُ، وأقَصَّهُ لَمّا حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ في يَوْمِ الحُدَيْبِيَةِ، فَيَكُونُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ إخْبارًا بِما أقَصَّهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ الشَّهْرِ الحَرامِ، الَّذِي صَدَّهُ المُشْرِكُونَ فِيهِ عَنِ البَيْتِ بِشَهْرٍ مِثْلِهِ في العامِ القابِلِ، ويَتَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ أمْرًا بِالقِتالِ. فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ إذا حُمِلَ اللَّفْظُ عَلى حَقِيقَةِ الجَزاءِ انْتَفى كَوْنُهُ أمْرًا، فَيُقالُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الإخْبارُ حاصِلًا في تَعْوِيضِ اللَّهِ تَعالى نَبِيَّهُ مِن فَواتِ العُمْرَةِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، الَّذِي صَدَّهُ فِيهِ المُشْرِكُونَ عَنِ البَيْتِ، بِشَهْرٍ مِثْلِهِ في العامِ القابِلِ، وكانَتْ حُرْمَةُ الشَّهْرِ الَّذِي أُبْدِلَ كَحُرْمَةِ الشَّهْرِ الَّذِي فاتَ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿والحُرُماتُ قِصاصٌ﴾، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ . فَأبانَ أنَّهم إذا قاتَلُوهم في الشَّهْرِ الحَرامِ، فَعَلَيْهِمْ أنْ يُقاتِلُوهم فِيهِ، وإنْ لَمْ يَجُزِ الِابْتِداءُ.ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الِابْتِداءُ جَزاءً عَلى ما كانَ مِن سابِقِ فِعْلِهِمْ في (p-٨٧)مِثْلِ ذَلِكَ الوَقْتِ، ولا يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى﴾ لِاسْتِثْناءٍ وحُكْمٍ، بَلْ يَكُونُ مَعْناهُ: فَمَنِ اعْتَدى في الماضِي بِهَتْكِ حُرُماتِكم في الشَّهْرِ الحَرامِ في البَلَدِ الحَرامِ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ الآنَ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكم في الماضِي، فَيَكُونُ ذَلِكَ إباحَةً لِلْقِتالِ مُطْلَقًا في كُلِّ مَوْضِعٍ وفي كُلِّ وقْتٍ، ويُحْتَجُّ بِذَلِكَ في مُراعاةِ المُماثَلَةِ في القِصاصِ عَلى ما يَقُولُهُ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب