الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ﴾، يَعْنِي: كُفْرُهم وتَعْذِيبُهم لِلْمُؤْمِنِينَ، في البَلَدِ الحَرامِ والشَّهْرِ الحَرامِ، أعْظَمُ مَأْثَمًا مِنَ القَتْلِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وأنَّهُ إذا كانَ يُتَوَقَّعُ مِنهم مِثْلُ ذَلِكَ، وجَبَ قَتْلُهم في البَلَدِ الحَرامِ وفي الشَّهْرِ الحَرامِ، وكَذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣]، فَعَلَّلَ القِتالَ والقَتْلَ بِهَذا المَعْنى، وهَذا يَسْتَوِي فِيهِ الحَرَمُ وغَيْرُهُ، والشَّهْرُ الحَرامُ وغَيْرُهُ. وكَذَلِكَ قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ فَإنَّهُ قالَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تُقاتِلُوهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ . مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] . وقالَ قَتادَةُ: هو مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ( اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهم )، وقَدْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] في سُورَةِ بَراءَةٍ (التَّوْبَةِ) بَعْدَ سُورَةِ البَقَرَةِ، والَّذِي كانَ مِن خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الفَتْحِ، وقَوْلُهُ فِيها: «إنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَ مَكَّةَ» الحَدِيثُ، نَسَخَهُ ما بَعْدَهُ، وسُورَةُ بَراءَةٍ فَإنَّها (p-٨٤)نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ والرَّبِيعُ: الفِتْنَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]، الشِّرْكُ بِاللَّهِ. وقِيلَ: إنَّما سَمّى الكُفْرَ فِتْنَةً لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى الهَلاكِ كَما تُؤَدِّي إلَيْهِ الفِتْنَةُ.* * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واقْتُلُوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهم وأخْرِجُوهم مِن حَيْثُ أخْرَجُوكُمْ﴾: صِفَةُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَدْخُلْ أهْلُ الكِتابِ في هَذا الحُكْمِ، فَلا جَرَمَ لا تُقْبَلُ الجِزْيَةُ مِنَ المُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] -يَعْنِي كُفْرٌ- ﴿ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣] . فَمَدَّ القِتالَ في حَقِّهِمْ إلى غايَةِ وُجُودِ الإسْلامِ، وفي حَقِّ أهْلِ الكِتابِ إلى غايَةِ وُجُودِ الجِزْيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ [التوبة: ٢٩] لِأنَّهم إذا أعْطَوُا الجِزْيَةَ حَصَلَتْ مَنفَعَةُ المُسْلِمِينَ، إلّا في حَقِّ مَن لا يَقْنَعُ مِنهُ بِالجِزْيَةِ لِعِظَمِ جَرِيمَتِهِ. وبَنى الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ جَوازَ قَتْلِ النِّساءِ المُرْتَدّاتِ، لِعِظَمِ جَرائِمِهِنَّ وكِبَرِ ذُنُوبِهِنَّ، وأنَّ ذَلِكَ لا يَنْدَفِعُ بِالِاسْتِرْقاقِ ومَنفَعَتِهِ، كَما لا يَنْدَفِعُ بِالجِزْيَةِ، ولَيْسَ إذا عُدِمَ القِتالُ مِنهُنَّ فَلا مَصْلَحَةَ في قَتْلِهِنَّ، بَلْ في قَتْلِهِنَّ مَصالِحُ مِنها: (p-٨٥)مَنعُهُنَّ عَنْ إمْدادِ الرِّجالِ بِالأمْوالِ، وبِالحَثِّ عَلى القِتالِ بِإنْشادِ الأشْعارِ المُحَرِّكَةِ لِطِباعِهِمْ، فَإنَّهُ إذا حَدَثَتِ الحَرْبُ بِالعَرَبِ أبْرَزْنَ النِّساءَ باعِثاتٍ عَلى الحَرْبِ مُتَناشِداتٍ بِالأشْعارِ، وذَلِكَ مِن أعْظَمِ الفِتَنِ، وتَرى الواحِدَ مِنهم يَقْتُلُ نَفْسَهُ ويَرُدُّ الأمانَ قائِلًا: بِأنَّ نِساءَ الحَيِّ لا يَتَحَدَّثْنَ عَنِّي بِالجَزَعِ في القِتالِ وطَلَبِ الأمانِ. فَفِي قَتْلِهِنَّ عَلى هَذا الوَجْهِ مَصالِحُ عَظِيمَةٌ، وهَلْ يُقاتِلُ أكْثَرُ النّاسِ إلّا ذَبًّا عَنِ النِّساءِ؟ غَيْرَ أنَّهُنَّ إذا حَصَلْنَ في السَّبْيِ، فالِاسْتِرْقاقُ أنْفَعُ لِسُرْعَةِ إسْلامِهِنَّ ورُجُوعِهِنَّ عَنْ أدْيانِهِنَّ، وبَعْدَ فِرارِهِنَّ إلى أوْطانِهِنَّ بِخِلافِ الرِّجالِ. ولَيْسَ يُتَوَقَّعُ مِنَ القِتالِ إلّا أذِيَّةُ المُسْلِمِينَ، وذَلِكَ يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ بِما يَصْدُرُ مِنهُنَّ وإنْ لَمْ يُباشِرْنَ القِتالَ، ولَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَنِيَ بِها خَلْقٌ في الأكْثَرِ، إلّا كانَ سَبَبُهُ أُمُورَ النِّساءِ، والَّذِي كانَ مِن شُؤْمِ البَسُوسِ ورَعِيفِ حَوْلًا وغَيْرِهِما، مِمّا نَتَجَ الحُرُوبَ العَظِيمَةَ وهَيَّجَ الفِتَنَ الهائِلَةَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب