الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾، ﴿إنْ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣] الآيَةَ. فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ الوَلَدَ لا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِأبِيهِ خِلافًا لِمَن قالَ: إنَّهُ يَشْتَرِيهِ فَيَمْلِكُهُ ولا يُعْتَقُ إلّا إذا أعْتَقَهُ، وقَدْ أبانَ اللَّهُ تَعالى المُنافاةَ بَيْنَ الوِلادَةِ والمُلْكِ. واسْتَدَلَّ إسْماعِيلُ بْنُ إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، ونَقَلَهُ الرّازِيُّ في كِتابِهِ عَنْهُ فَقالَ: وقَدِ اتَّفَقَ أهْلُ العِلْمِ عَلى أنَّ أُمَّةَ الرَّجُلِ إذا حَمَلَتْ مِنهُ، فَإنَّ الوَلَدَ يَتَحَرَّرُ في بَطْنِ أُمِّهِ، مَعَ أنَّ العِبْرَةَ في رِقِّ الوَلَدِ بِرِقِّ الأُمِّ، وحُرِّيَّةُ الوالِدِ لا تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الوَلَدِ، فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُ الوَلَدِ مِن جِهَةِ كَوْنِ الأبِ حُرًّا، وإنَّما كانَ مِن جِهَةِ أنَّ الوَلَدَ لَوْ عَلَّقَ رَقِيقًا، لَكانَ مِلْكًا لِلْوالِدِ، ولا يَثْبُتُ المِلْكُ لِلْوالِدِ عَلى الوَلَدِ أصْلًا. إلّا أنَّ الوَلَدَ ثَمَّ حُرُّ الأصْلِ، لِأنَّهُ لا حاجَةَ إلى إثْباتِ الرِّقِّ والمِلْكِ لِلْوَلَدِ، فَعَلِقَ الوَلَدُ حُرًّا هُنالِكَ، حَتّى لا يَثْبُتَ لِلْوالِدِ عَلى الوَلَدِ مِلْكٌ. وإذا اشْتَرى، فَلا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ إنَّ المِلْكَ لا يَثْبُتُ، فَإنَّ المِلْكَ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَصِحَّ الشِّراءُ، ولا بُدَّ مِن تَصْحِيحِ الشِّراءِ. وقالَ مالِكٌ: يَنْقُلُ المالِكُ المِلْكَ إلى المُشْتَرِي، فَيَثْبُتُ لَهُ المِلْكُ بِقَدْرِ ما يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِقالُ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الشِّراءِ، وامْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُبُوتُ مِلْكِ الوالِدِ عَلَيْهِ. (p-٢٧٢)وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّ شِراءَ الوَلَدِ لا يَثْبُتُ لَهُ مِلْكًا أصْلًا، وإنَّما هو عَقْدُ عَتاقٍ، فَإمّا أنْ يُقالَ إنَّ المِلْكَ يَثْبُتُ حَقِيقَةً في زَمانٍ، وحَصَلَ العِتْقُ بَعْدَهُ في زَمانٍ آخَرَ فَلا، ولَكِنَّ العِتْقَ ثَبَتَ مُقارِنًا لِلشِّراءِ، وجَعَلَ الشِّراءَ عَقْدَ عَتاقٍ وإسْقاطٍ لِمِلْكِ المالِكِ، لا عَلى حَقِيقَةِ شِراءٍ فِيما سِواهُ، ولَمْ يَجْعَلِ الشِّراءَ سَبَبَ المِلْكِ، لِوُجُودِ الأُبُوَّةِ المُنافِيَةِ لَهُ، كَما لَمْ يَجْعَلْ مِلْكَ المَحَلِّ سَبَبًا لِمِلْكِ الوَلَدِ لِوُجُودِ سَبَبِ ما يُنافِيهِ، فَيُقالُ حَدَثَ حُرًّا، وكَذَلِكَ يُقالُ حَصَلَ الشِّراءُ مَعَ الحُرِّيَّةِ. فَهَذا قَوْلٌ فِيهِ تَأمُّلٌ. وعَلى كُلِّ حالٍ تَبَيَّنَ بِهِ أنَّهُ لا يَدُومُ مِلْكُ الوالِدِ عَلى ولَدِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب