الباحث القرآني

﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنسِ ألَمْ يَأتِكم رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ هو الله سبحانه يقرع الكافرين يوم القيامة بهذا السؤال وهو استفهام تقرير، والأصح بل الصحيح أن الرسل من الإنس والجن تبع لهم قالوا نظيره ”يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان“ [الرحمن: ٢٢] وهما لا يخرجان من العذب كما سنذكر إن شاء الله تعالى، ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾: يوم القيامة، ﴿قالُوا﴾: جوابًا، ﴿شَهِدْنا عَلى أنْفُسِنا﴾: أنّهم قد بلغوا ذلك حين شهدت عليهم جوارحهم قال تعالى: ﴿وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾: فأعرضوا عن رسلنا ولم يرفعوا إليهم رأسا، ﴿وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾: يوم الميامة، ﴿أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾: في الدنيا، ﴿ذَلِكَ﴾: أي: إرسال الرسل، ﴿أن لَمْ يَكُن ربُّكَ﴾ خبر ذلك، وأن إما مصدرية أو مخففة، واللام محذوف أي: لأن، أو تقديره الأمر ذلك لأن لم يكن إلخ، ﴿مُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وأهْلُها غافِلُونَ﴾: أي: لانتفاء كون ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلمهم وأهلها غافلون لم ينبهوا برسول كما قال تعالى: ”وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا“ [الإسراء: ١٥] أو ﴿بظلم﴾ حال من ﴿ربك﴾، وحاصله أنه لا يهلكهم دون التنبيه بالرسل والآيات فإنه ظلم والله غير ظلام للعبيد ﴿ولِكُلٍّ﴾: من المكلفين، ﴿دَرَجاتٌ﴾: مراتب، ﴿مِمّا عَمِلُوا﴾: من أعمالهم، ﴿وما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ﴾: فيخفى عليه خافية. ﴿ورَبُّكَ الغَنِيُّ﴾: عن خلقه من جميع الجهات، ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ بهم فلا يعجل بالعقوبة، ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾: إذا عصيتم، ﴿ويَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكم ما يَشاءُ﴾: قومًا آخرين يعملون بطاعته، ﴿كَما أنْشَأكم مِن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ أي: هو قادر على ذلك كما أذهب القرن الأول وأتى بالذي بعده، ﴿إنَّ ما تُوعَدُونَ﴾: من أمر المعاد، ﴿لَآتٍ﴾: كائن ألبتَّة، ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾: اللهَ في قدرته، ﴿قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾: على تمكنكم من أمركم أو على جهتكم، وحالكم التي أنتم عليها، ﴿إنِّي عامِلٌ﴾: على ما أنا عليه أي: اثبتوا على الكفر فإني ثابت على الإسلام، وهو أمر تهديد شديد، ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ﴾ أي: سوف تعلمون أينا له العاقبة المحمودة، والجنة أو المراد من عاقبة الدار أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، و ﴿من﴾ استفهامية مبتدأ خبره تكون، وفعل العلم علق عنها أو موصولة فهو مفعول ﴿تعلمون﴾ على أنه متعد إلى مفعول واحد بمعنى يعرفون، ﴿إنَّهُ﴾: إن الشأن، ﴿لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾: لا يسعد من كفر، ﴿وجَعَلُوا﴾ أي: مشركو العرب، ﴿لِلّهِ مِمّا ذَرَأ﴾: خلق، ﴿مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبًا فَقالُوا هَذا لله بِزَعْمِهِمْ وهَذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللهِ وما كانَ لله فَهو يَصِلُ إلى شُرَكائِهِمْ﴾: كانوا يجعلون من أموالهم نصيبًا لله ومصرفه الضيفان، ونصيبًا لآلهتهم ومصرفه خدم أصنامهم فإن سقط شيء من الثمر مثلًا من نصيب الوثن فيما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن وإن هلك أو انتقص منه شيء أخذوا بدله مما جعلوا لله، وإن سقط شيء من نصيب الله في نصيب الأوثان خلوه أو مات شيء منه لم يبالوا به، وقالوا: الله غني، وهذا معنى قوله: ”فما كان لشركائهم“ الآية، وفي قوله: ”مما ذرأ“ إشارة إلى جهلهم بأنهم أشركوا الخالق في خلقه جمادًا، ثم جعلوا له النصيب الأوفر، وقوله: ”بزعمهم“ إشارة إلى أن هذا مخترعهم ليس من أمر الله، ولا يصل إليه، ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾: حكمهم هذا، ﴿وكَذَلِكَ﴾: مثل هذا الفعل القبيح، ﴿وكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ﴾، فإن الشياطين وهم آلهتهم أمروهم وزينوا لهم وأد أولادهم، ومن قرأ ﴿زُيَّنَ﴾ بالمجهول ورفع القتل، ونصب الأولاد، وجر الشركاء على إضافة القتل إليها، والفصل بينهما يدل على أن هذا الفصل جائز فصيح، والمطعون من طعن فيه، ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾: ليهلكوهم بالإغواء، ﴿ولِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾: ليدخلوا الشك في دينهم، فكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشيطان، وقيل: دينهم الذي يجب أن يكونوا عليه، ﴿ولَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ﴾ أي: المشركون ما زين لهم، أو الشركاء التزيين، ﴿فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾: ما يختلقون من الكذب على الله، ﴿وقالُوا هَذِهِ﴾: إشارة إلى مما جعل للآلهة، ﴿أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ﴾: حرام، ﴿لا يَطْعَمُها إلّا مَن نَشاءُ﴾: من رجال خدم الأوثان، ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾: لا حرمة من الله، ﴿وأنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها﴾: كالسائبة والبحيرة والحام، ﴿وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْها﴾: يذبحونها باسم الأصنام لا باسم الله، أو لا يحجون على ظهورها، والمعنى أنهم قسموا أنعامهم، فقالوا: هذه حجر، وهذه محرمة الظهور، وهذه لا يذكر عليها اسم الله ﴿افْتِراءً عَلَيْهِ﴾، نصبه على أن قالوا بمعنى افتروا أو حال أي: مفترين أو مفعول له، ﴿سَيَجْزِيهِم بِما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾: بسبب افترائهم، ﴿وقالُوا ما في بُطُونِ هَذِهِ الأنعامِ﴾ أي: أجنة البحائر والسوائب، ﴿خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ عَلى أزْواجِنا﴾: نسائنا خاصة للذكور دون الإناث إن ولد حيًّا، ﴿وإن يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ﴾: الذكور والإناث، ﴿فِيهِ شُرَكاءُ﴾، وتأنيث خالصة، وتذكير محرم لمعنى ما فإنه الأجنة ولفظه أو التاء للمبالغة، ﴿سَيَجْزِيهِمْ﴾: الله، ﴿وصْفَهُمْ﴾ أي: جزاء وصفهم الكذب على الله قيل: تقديره على وصفهم، ﴿إنَّهُ حَكِيمٌ﴾: في فعله، ﴿عَلِيمٌ﴾: بأعمال خلقه، ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ﴾: بناتهم بالوأد، ﴿سَفَهًا﴾: للسفه أو سفهاء، ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾: جاهلين، ﴿وحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ﴾: من البحائر ونحوها، ﴿افْتِراءً عَلى اللهِ﴾: يحتمل المصدر، والحال والمفعول له، ﴿قَدْ ضَلُّوا وما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب