الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ كذَّبَ أصْحابُ الحِجْرِ﴾ وهو مدينة بين المدينة والشام يسكنها ثمود، ﴿المرْسَلِينَ﴾ أي: صالحًا، ومن كذب نبيًا فقد كذب الرسل بأجمعهم، ﴿وآتيْناهم آياتنا﴾ معجزات، كما في الناقة من غرائب الآيات، ﴿فَكانوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ ما استدلوا بها علي صدق نبيهم - عليه الصلاة والسلام، ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ من أن تنهدم، أو من عذاب الله، يحسبون أن الجبال تحميهم منه، ﴿فأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبحِينَ﴾ داخلين في الصباح، ﴿فَما أغنى عَنْهُم﴾ ما دفع عنهم العذاب، ﴿ما كانوا يَكْسَبُون﴾ من البيوت الوثيقة والزراعة والأموال، ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ﴾، خلقًا متلبسًا بالحق ﴿ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى﴾ [النجم: ٣١]، ﴿وإنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ﴿فاصْفَحِ﴾ يا محمد عن المشركين، ﴿الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾ يعني عاملهم معاملة الحليم الصفوح، وهذا قبل القتال، فإنما هذه مكية والأمر بالقتال بعد المهاجرة، ﴿إنَّ رَبَّكَ هو الخَلّاقُ﴾ الذي خلق كل شيء فقادر على الإعادة، ﴿العَلِيمُ﴾ بجميع الأحوال فيجازى بما علم منهم، ﴿ولَقَدْ آتيْناكَ سَبْعًا﴾ هي السبع الطوال من البقرة إلى الأعراف ثم يونس، نص عليه ابن عباس وغيره - رضي الله عنهم -، أو من البقرة إلى براءة على أن الأنفال وبراءة سورة واحدة، وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: أوتي النبي - عليه الصلاة والسلام - السبع الطوال، وأعطي موسى ستًّا، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع، أو المراد فاتحة الكتاب، روي ذلك عن عمر وعلى - رضى الله عنهما -، وفي البخاري قال ﷺ: ”أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم“، ﴿مِنَ المَثانِي﴾ بيان للسبع لأن الفرائض والحدود والأمثال والخبر والعبر ثنِّيت في تلك السورة؛ أو لأن الفاتحة تثني في كل صلاة فيقرأ في كل ركعة، ﴿والقُرْآنَ العَظِيمَ﴾ إن أريد به جميع القرآن، فمن عطف الكل على البعض، وإن أريد به الفاتحة كما دل عليه حديث البخاري، فمن عطف أحد الموصوفين على الآخر، وعن بعض السلف القرآن كله مثاني؛ لأن الأنباء والقصص ثُنِّيت فيه، فعلى هذا المراد بالسبع أسباع القرآن، ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ لا تطمح ببصرك طموح راغب متمن، ﴿إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أزْواجًا مِّنْهُمْ﴾ أصنافًا من الكفار، أي: استغن بما آتاك الله - تعالى - من القرآن عما فى الدنيا من الزهرة الفانية، ﴿ولاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ إن لم يؤمنوا أو عن بعضهم لا تحزن على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا، ﴿واخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: ارفق بهم، ﴿وقُلْ إنِّي أنا النَّذِيرُ المُبِينُ (٨٩) كَما أنْزَلْنا عَلى المُقْتَسِمِينَ﴾ تقديره أنا النذير لمن لا يؤمن عذابًا مثل ما أنزلنا عليهم، والمقتسمون المتحالفون الذين تحالفوا على مخالفة الأنبياء وأذاهم، كما قال - تعالى - في قوم صالح: ﴿تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأهْلَهُ﴾، أي: نقتلهم ليلًا ﴿الذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ﴾ أي: جعلوا كتبهم المنزلة عليهم أجزاء، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، أو معناه اقتسموا كتبهم وجزءوه أجزاءً، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، فعلى هذا من القسمة لا من القسم، والقرآن يطلق على جميع الكتب السماوية، وعن بعضهم هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله ﷺ ويجزءون القرآن، يقولون: سحر، ويقولون: مفترى، ويقولون: أساطير الأولين، فأنزل الله تعالي بهم خزيًا فماتوا شر ميتة، أو اقتسموا القرآن منهم من قال: سحر، ومنهم من قال: كذب، ومنهم من قال: أساطير الأولين، فعلى هذا الذين جعلوا القرآن عضين بيان للمقتسمين، وهو جمع عضة، وأصلها عِضْوَة، فِعْلَة من عضّى الشاة، إذا جعلها أعضاء، وعن عكرمة العضة السحر بلسان قريش، ﴿فوَربكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ عَمّا كانوا يَعْمَلُونَ﴾ أي: نسأل عن لمية تحالفهم واقتسامهم وجعلهم القرآن عضين، أو عن كل ما فعلوا، يقول: لم فعلتم كذا وكذا، أو سؤال توبيخ لا استعلام، ﴿فاصْدَعْ﴾ أظهر، ﴿بِما تُؤْمَرُ﴾ به من الشرائع، ولا تخفه، وعن مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة، وعن بعضهم ما زال ﷺ مستخفيًا حتى نزلت فخرج هو وأصحابه، ﴿وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ لا تلتفت إلى أقوالهم، ﴿إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ كان عظماء المستهزئين خمسة نفر من كبار قريش، مات كل واحد منهم في أقرب زمان، ﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمرهم، ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ من أذاك، ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربكَ﴾، فاشتغل بتسبيحه وتحميده وتوكل على الله تعالى ﴿وكُن مِّنَ السّاجِدِينَ﴾ المصلين، ﴿واعبدْ ربَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ﴾ الموت المتيقن لحاقه. اللهم أمتنا على أحسن الأحوال والأعمال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب