الباحث القرآني

ثم قال: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق ١٥] ﴿كَلَّا﴾ هذه بمعنى حقًّا. ويحتمل أن تكون للرَّدْع؛ أي: لِرَدْعه عن فِعْله السيئ الذي كان يقوم به تجاه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أو بمعنى: حقًّا لَنَسْفَعنْ بالناصية. وجملة ﴿لَنَسْفَعًا﴾ جوابٌ لقَسَمٍ مقدَّر، والتقدير: واللهِ لئنْ لم يَنْتَهِ لَنَسْفَعنْ بالناصية. وحُذِف جوابُ الشرط وبقي جواب القَسَم لأنَّ هذه هي القاعدة في اللغة العربية: أنَّه إذا اجتمع قَسَمٌ وشرطٌ فإنَّه يُحذَف جوابُ المؤخَّر؛ قال ابن مالك في ألفيته: ؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَـــــــــوَابَ مَا أَخَّـــــرْتَ فَـــــهْوَمُــــــلْتَــــزَمْ وهُنا المتأخِّر هو الشرط ﴿لَئِنْ﴾، والقَسَم مقدَّر قبله؛ إذْ تقديره: واللهِ لئنْ لم يَنْتَهِ لَنَسْفَعنْ. ومعنى ﴿لَنَسْفَعًا﴾ أي: لَنأخُذَنَّ بشِدَّة. و(النَّاصِية) مقدَّم الرأس، و(أل) فيها -أي: في الناصية- (أل) للعهد. أيُّ عهدٍ هو؟ العهد الذهني. والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهلٍ الذي توعَّد النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صلاته ونهاه عنها؛ أي: لَنَسْفَعَنْ بناصيته. وهل المراد الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يُجَرُّ بناصيته إلى النار؟ يحتمل هذا وهذا، يحتمل أنَّه يؤخَذ بالناصية، وقد أُخِذ بناصيته في يوم بدر حين قُتِل مع مَن قُتِل من المشركين، ويحتمل أن يكون يؤخَذ بناصيته يوم القيامة فيُقذَف في النار؛ كما قال الله تعالى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ [الرحمن ٤١]، وإذا كانت الآية صالحةً لمعنيَيْنِ لا يناقض أحدُهما الآخَر فإنَّ الواجب حملُها على المعنيَيْنِ جميعًا كما هو المعروف والذي قرَّرْناه سابقًا ونقرِّره الآن: أنَّ الآية إذا كانت تحتمل معنيَيْنِ لا ينافي أحدُهما الآخَر فالواجب الأخذ بالمعنيَيْنِ جميعًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب