الباحث القرآني

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٥، ٦] هذا بشارةٌ من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأُمَّة، ونسأل: هل جرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عُسْر؟ وين هو فيه؟ * طالب: (...). * الشيخ: إي نعم، حين كان بمكة، يُضَيَّق عليه في مكة، وفي الطائف، وكذلك أيضًا في المدينة من المنافقين. فالله يقول: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ يعني: كما شرحْنا لك صدرَك، ووضعنا عنك وِزْرك، ورفعنا لك ذِكْرك، وهذه نِعَمٌ عظيمة، كذلك هذا العُسْر الذي يصيبك لا بدَّ أن يكون له يُسْر. ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال ابن عباس عند هذه الآية: «لن يغلب عُسْرٌ يُسْرينِ»[[أخرجه الحاكم (٣٩٩٤) عن الحسن عن النبي ﷺ مرسلًا، وورد من قول عمر وعليٍّ وابن مسعود رضي الله عنهم، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (صـ٣٣٩): "وفي الباب عن ابن عباس من قوله؛ ذكره الفراء عن الكلبي عن أبي صالح عنه".]]. فكيف توجيه كلامه رضي الله عنه مع أن العُسر ذُكِر مرَّتين واليُسر ذُكِر مرَّتين؟ قال أهل البلاغة: توجيه كلامه أنَّ العُسر لم يُذكر إلا مرَّةً واحدةً؛ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ العُسْر الأول أُعِيد في الثانية بـ(أل)، فـ(أل) هنا للعهد الذِّكري، وأمَّا (يُسر) فإنه لم يأتِ معرَّفًا، بل جاء منكَّرًا، والقاعدة أنه إذا كُرِّر الاسم مرَّتين بصيغة التنكير أنَّ الثاني غير الأول إلا ما نَدَر، والعكس: إذا كُرِّر الاسم مرَّتين وهو معرَّف فالثاني هو الأول إلا ما ندر. انتبهوا لهذه القاعدة، القاعدة الآن: إذا كُرِّر الاسم مرَّتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما نَدَر، وإذا كُرِّر الاسم مرَّتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول؛ لأن الثاني نكرةٌ فهو غير الأول. إذَنْ في الآيتين الكريمتين يُسران وفيهما عُسْر واحد؛ لأن العُسر كُرِّر مرَّتين بصيغة التعريف. ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ هذا الكلام خبرٌ مِمَّن؟ من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقًا، ووعدُه لا يُخلَف، فكلَّما تعسَّر عليك الأمر يا أخي فانتظر التيسير. أمَّا في الأمور الشرعية فظاهر؛ «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[[أخرجه البخاري (١١١٧) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.]]. هذا تيسير، إذا شقَّ عليك القيام اجلسْ، إنْ شقَّ عليك الجلوس صَلِّ وأنت على جنْب. في الصيام؛ إنْ قدرتَ وأنت في الحضر فصُمْ، وإنْ لم تقدر فأفطِر، إذا كنتَ مسافرًا فأفطِر. في الحج؛ إذا استطعتَ إليه سبيلًا فحُجَّ، وإنْ لم تستطع فلا حجَّ عليك، بل إذا شرعتَ في الحجِّ وحصل لك ظرفٌ لا تتمكَّن معه من إكمال الحج فتحلَّل، افسخ الحجَّ وأَهْدِ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة ١٩٦]. إذَنْ كل عُسرٍ يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليُسر. كذلك في القضاء والقدر؛ يعني: تقدير الله على الإنسان من مصائب وضيق عيشٍ وضيق صدرٍ وغيره، لا ييئس؛ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، التيسير قد يكون أمرًا ظاهرًا حسِّيًّا؛ مثل أنْ يكون الإنسان فقيرًا فتضيق عليه الأمور فيُيَسِّر الله له الغنى، هذا تيسير حسِّي. أليس كذلك؟ إنسانٌ مريضٌ، يتعب، يشقُّ عليه المرض فيشفيه الله عز وجل، هذا أيضًا تيسير حسِّي. هناك تيسيرٌ معنويٌّ، وهو معونة الله الإنسانَ على الصبر، هذا تيسير، إذا أعانك الله على الصبر تيسَّر لك العسير، صار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكَّها، صار بما أعانك الله عليه من الصبر صار أمرًا يسيرًا، يعني لا تظنَّ أنَّ اليُسر معناه أنه ينفرج شيءٌ مرَّةً، لا، اليُسر أنْ ينفرج الكرب ويزول، وهذا يُسْرٌ حِسِّي، وأنْ يُعين اللَّهُ الإنسانَ على الصبر حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمرًا سهلًا عليه، نقول هذا لأنَّنا واثقون بوعد الله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب