الباحث القرآني

﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: ١٨] يعني: يُعطي مالَه مَن يستحِقُّه على وجْهٍ يتزكَّى به؛ أي: يتطهَّر به؛ قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، فقوله: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ يفيد أنَّه لا يُبَذِّر ولا يَبْخل، وإنما يؤتي المالَ على وجْهٍ يكون به التزكية، وضابطُ ذلك ما ذكره الله في سورة الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان ٦٧]. نجد بعضَ الناس يُعطيه الله مالًا، ولكنْ يَبْخل، يُقَتِّر، حتى الواجب عليه لزوجته وأولاده وأقاربه لا يقوم به، ونرى بعضَ الناس قد قَدَرَ اللَّهُ عليه الرِّزق وضيَّق عليه بعضَ الشيء، ومع ذلك يذهب يتديَّن من الناس من أجْل أن يُكمل بيتَه حتى يكون مثْل بيت فلان وفلان، أو من أجْل أنْ يشتري سيَّارةً فخمةً كسيَّارة فلان وفلان، وكِلا المنهجين والطريقين منهجٌ باطلٌ؛ الأول قَصَّرَ، والثاني أَفْرَطَ، والواجبُ على الإنسان أن يكون إنفاقُه بحسب حاله ﴿يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾. فإن قال قائل: هل يجوز أن يتديَّن الإنسانُ ليتصدق؟ فالجواب: لا؛ لأنَّ الصدقة تطوُّع، والتزامُ الدَّين خطرٌ عظيمٌ؛ لأنَّ الدَّين ليس بالأمر الهيِّن، الإنسانُ إذا مات فإنَّ نفسه معلَّقة بدَينه حتى يُقضى عنه. وكثيرٌ من الورثة لا يهتمُّ بدَين الميت، تجده يتأخَّر، يُماطِل، وربما لا يُوفيه -نسأل الله السلامة- وقد «كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قُدِّمتْ إليه جنازةٌ سأل: «هَلْ عَلَيْهِ دَينٌ؟»، «لَهُ وَفَاءٌ؟»، فإن قالوا: لا، قال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ولم يُصَلِّ عليه»[[أخرج البخاري (٢٢٩٨) ومسلم (١٦١٩ / ١٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ كان يُؤتى بالرجُل المتوفَّى عليه الدَّيْن فيسأل: «هل تَرَك لدَيْنه فضلًا؟». فإنْ حُدِّث أنه تَرَك لدَيْنه وفاءً صلَّى، وإلَّا قال للمسلمين: «صَلُّوا على صاحبكم». فلمَّا فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمَن تُوُفِّي من المؤمنين فترك دَيْنًا فعليَّ قضاؤه، ومَن ترك مالًا فلِوَرَثتِه».]]، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أنَّ الشهادة في سبيل الله تُكَفِّر كلَّ شيءٍ إلا الدَّين»[[أخرج مسلم (١٨٨٦ / ١٢٠) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي ﷺ قال: «القتلُ في سبيل الله يُكَفِّر كلَّ شيءٍ إلا الدَّيْن».]]، فالدَّين أمره عظيمٌ لا يجوز للإنسان أن يتهاون به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب