الباحث القرآني

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أمَّا بعد، فهذا هو اللقاء السادس والسبعون من اللقاء المعروف باسم (لقاء الباب المفتوح)، والذي يتمُّ في كُلِّ يوم خميس من كُلِّ أسبوع، وهذا هو الخميس، الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام خمسة عشر وأربع مئة وألف، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا جميعًا لقاءات خيرٍ وبركةٍ، إنَّه على كُلِّ شيءٍ قدير. هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقيَّة سورة (والليل إذا يغشى)، حيث قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ [الليل ١٢، ١٣]. فقوله عز وجل: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ فيه التزامٌ من الله عز وجل أن يُبَيِّن للخَلْق ما يهتدون به إليه، والمراد بالهدى هنا هُدى البيان والإرشاد؛ فإنَّ الله تعالى التزم على نفْسه بيانَ ذلك حتى لا يكون للناس على الله حُجَّة، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣] إلى أن قال: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥] انتبِهوا يا إخوان، لا يمكن للعقل البشري أن يستقلَّ بمعرفة الهدى، ولذلك التزمَ اللَّهُ عز وجل بأنْ يبيِّن الهدى له؛ للإنسان: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾. وليُعْلَم أنَّ الهدى نوعان: هُدى توفيقٍ؛ فهذا لا يقدر عليه إلا الله، وهُدى إرشادٍ ودلالة؛ فهذا يكون من الله ويكون من الخلْق؛ من الرُّسُل، من العلماء؛ كما قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى ٥٢]، أمَّا هداية التوفيق فهي إلى الله، لا أحد يستطيع أنْ يوفِّق شخصًا إلى الخير؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص ٥٦]. إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ وجدْنا أنَّ الله تعالى بيَّنَ كُلَّ شيءٍ، بيَّنَ ما يَلْزم الناسَ في العقيدة، وما يَلْزمهم في العبادة، وما يَلْزمهم في الأخلاق، وما يَلْزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابُه في هذا كُلِّه، حتى قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه: «لقد تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائرٌ يُقَلِّبُ جناحَيْه في السماء إلَّا ذَكَرَ لنا منه عِلْمًا»[[أخرجه أحمد (٢١٣٦١) عن أبي ذرٍّ بلفظ: لقد تَرَكنا محمدٌ ﷺ وما يحرِّك طائرٌ جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علمًا.]]. «وقال رجلٌ من المشركين لسلمان الفارسي: علَّمكم نبيُّكم حتى الخِراءةَ. قال: أَجَلْ، علَّمَنا حتى الخِراءة»[[أخرجه مسلم (٢٦٢ / ٥٧) عن سلمان قال: قيل له: قد علَّمكم نبيُّكم -ﷺ- كلَّ شيءٍ حتى الخراءة. قال: فقال: أجَلْ؛ لقد نهانا أن نستقبل القِبلة لغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقلَّ من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعظمٍ».]]. يعني: حتى آداب قضاء الحاجة علَّمَها النبيُّ ﷺ أُمَّتَه، ويؤيِّد هذا قولُه تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب