الباحث القرآني

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ﴾ فلَمْ يُعْطِ ما أُمِرَ بإعطائه، ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل ٨] استغنى عن الله عز وجل ولَمْ يَتَّقِ ربَّه، بلْ رأى أنَّه في غِنًى عن رحمة الله -نسأل الله العافية والسلامة- ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل ٩] أي: بالقَوْلة الحُسْنى وهي قول الله ورسوله، ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل ١٠] يُيَسَّر للعُسرى في أُمُوره كلِّها. ولكنْ قد يأتي الشيطانُ للإنسان فيقول: نَجِدُ أنَّ الكفَّار تُيَسَّر أُمُورهم. فيُقال: نعم، قد تُيَسَّر أُمُورهم، لكنَّ قلوبهم تشتعل نارًا وضيقًا وحرجًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام ١٢٥]، ثم ما يُنَعَّمون به فهو تنعيمُ جسدٍ فقط لا تنعيمُ روح، ثم هو أيضًا وبالٌ عليهم؛ لقول الله تعالى فيهم: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [القلم ٤٤، ٤٥]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، وتلا قولَه تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود ١٠٢][[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٨٦) واللفظ له، ومسلم (٢٥٨٣ / ٦١)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ]]. وهؤلاء عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإنَّ هذه الدنيا جنَّةٌ لهم بالنسبة للآخرة. وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سَمَّاه فتح الباري، وكان قاضي القُضاة في مصر، أنَّه مَرَّ ذات يومٍ وهو على عَرَبته تَجُرُّه البغالُ والناسُ حوله، مَرَّ برجلٍ يهوديٍّ سَمَّانٍ -يعني يبيع السَّمْن والزَّيْت- وتعلمون أنَّ بيَّاع السَّمن والزيت تكون ثيابُه وَسِخةً وحالُه سيِّئةً، فأوقفَ العربة وقال لابن حجر: إنَّ نبيَّكم يقول: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٥٦ / ١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فكيف أكونُ أنا بهذه الحال وأنت بهذه الحال؟! فقال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجنٍ بالنسبة لِمَا أعدَّ اللَّهُ تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم؛ لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليستْ بشيءٍ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]]، وأمَّا أنت -يقول لليهودي- فأنت في جنَّةٍ بالنسبة لِمَا أُعِدَّ لك من العذاب إن مِتَّ على الكُفر. فاقتنع بذلك اليهوديُّ وصار ذلك سببًا في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب