الباحث القرآني

﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧]. ﴿ثُمَّ كَانَ﴾ يعني: ثم هو بعد ذلك ليس محسنًا على اليتامى وعلى المساكين، بل هو ذو إيمانٍ بالله. ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ الذين آمنوا بِمَن؟ آمنوا بكلِّ ما يجب الإيمان به، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَن الذي يجب الإيمان به فقال حين سأله جبريل عن الإيمان: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، والْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨)، والبيهقي في شعب الإيمان (١٧٧) واللفظ له، من حديث عمر رضي الله عنه.]]. وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ أي: أَوْصى بعضُهم بعضًا بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع: صبرٌ على طاعة الله، وصبرٌ عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة. فهُم صابرون متواصون بالصبر، وأيُّ هذه الأنواع أفضل؟ الأفضل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، وقد اجتمعتْ هذه الأنواع الثلاثة؛ اجتمعتْ في الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم. فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام صابرٌ على طاعة الله؛ يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذَى، ويُعتدَى عليه بالضرب، حتى همَّ المشركون بقتله، وهو مع ذلك صابرٌ محتسبٌ. هو أيضًا صابرٌ عن معصية الله؛ لا يمكن أنْ يغدر بأحد، ولا أنْ يَكذب أحدًا، ولا أنْ يخون أحدًا، وهو أيضًا مُتَّقٍ لله تعالى بقَدْر ما يستطيع. كذلك صابرٌ على طاعة الله؛ كم أُوذِيَ في الله عز وجل من أجْل طاعته؛ أليست قريشٌ قد آذَوْه حتى إذا رأوه ساجدًا تحت الكعبة أمروا مَن يأتي بسَلَى ناقةٍ فيضعه على ظهره وهو ساجدٌ عليه الصلاة والسلام، وهو صابرٌ في ذلك كُلِّه. يوسف عليه الصلاة والسلام صَبَرَ على أقدار الله، وقد أُلقِيَ في البئر في غيابة الجبِّ، وأُوذِيَ في الله بالسجن، ومع ذلك فهو صابرٌ محتسبٌ لم يتضجَّر ولم يُنكر ما وقع به. وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ أي: أَوْصى بعضُهم بعضًا أن يرحم الآخَر. والرحمة رحمة الإنسان للمخلوقات، تكون في البهائم وتكون في الناطق؛ فهو يرحم آباءه وأمهاته، وأبناءه وبناته، وإخوانه وأخواته، وأعمامه وعماته ... وهكذا، ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضًا يرحم الحيوان البهيم؛ فيرحم ناقته، وفرسه، وحماره، وبقرته، وشاته، وغير ذلك، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[[أخرجه الترمذي (١٩٢٤) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب