الباحث القرآني

يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد ١، ٢]. ولي تعريجة يسيرة على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: ﴿﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ [الفجر: ٢٥، ٢٦]، فإني قرأتُها هكذا، وفسَّرتُها على هذه القراءة؛ لأنَّ في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى التي في المصحف: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ أي: لا يُعَذِّب عذابَ اللهِ أحدٌ، بل عذابُ اللهِ أشدُّ، ولا يُوثِق وثاقَ اللهِ أحدٌ، بل هو أشدُّ. أمَّا على قراءة ﴿﴿لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجلِ ولا يُوثَق وثاقَ هذا الرجلِ، وهذا هو الذي قرأنا الآية عليه وفسَّرناها به، فلأجل هذا جرى التنبيه. يقول الله عز وجل: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد ١] ﴿لَا﴾ هذه للاستفتاح، لاستفتاح الكلام وتوكيد الكلام، وليست نافيةً؛ لأن المراد إثبات القَسَم؛ يعني: أنا أُقسم بهذا البلد، لكن ﴿لَا﴾ هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد. و﴿أُقْسِمُ﴾ القسم: تأكيد الشيء بذِكْر معظَّمٍ على وجهٍ مخصوصٍ، إذَن كلُّ شيءٍ محلوفٍ به فإنه لا بدَّ أن يكون معظَّمًا لدى الحالف، وقد لا يكون معظَّمًا في حدِّ ذاته؛ فمثلًا الذين يحلفون باللات والعُزَّى هي معظَّمة عندهم، لكن هي في الواقع ليست عظيمة ولا معظَّمة. فالحَلِف إذَن أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي تأكيد الشيء بأيش؟ بذِكْر معظَّم، عند مَن؟ عند الحالف على صفةٍ مخصوصةٍ. وحروف القَسَم هي: الباء، والواو، والتاء. والذي في الآية الكريمة هنا: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أيُّ الحروف؟ الباء. ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ البلد هنا مكة، وأَقْسم الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حُرمةً، وأحبُّ بقاع الأرض إلى الله عز وجل، ولهذا بُعث منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، فجديرٌ بهذا البلد الأمين أن يُقسَم به، ولكن نحن لا نُقسم به؛ لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نُقسم بمخلوق؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» أو: «أَشْرَكَ»[[أخرجه الترمذي (١٥٣٥) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]]، أمَّا الله عز وجل فإنه يُقسِم بما شاء، ولهذا أَقسم هنا بمكة؛ ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب