الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر ١٥، ١٦] الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥]، فيُبتلَى الإنسانُ بالخير ليبلوه الله عز وجل أيشكر أمْ يكفر، ويُبتلَى بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر، وأحوال الإنسان -كما تعلمون جميعًا- دائرةٌ بين خيرٍ وشرٍّ، بين خيرٍ يلائمه ويسرُّه وبين شرٍّ لا يلائمه ولا يسرُّه، وكلُّه ابتلاءٌ من الله. الإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربُّه فأكرمه ونعَّمَه يقول: ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ يعني: إنني أهلٌ للإكرام، ولا يعترف بفضل الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨]، لَمَّا ذُكِّر بنعمة الله عليه قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾، ولم يعترف بفضل الله، وما أكثرَ الناسَ الذين هذه حالُهُم، إذا أكرمهم الله عز وجل ونعَّمَهم قالوا: هذا إكرامٌ من الله لنا لأننا أهلٌ لذلك. ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا، اعترافًا بفضله وتحدُّثًا بنعمته، لم يكن عليه في ذلك بأسٌ، لكن إذا قال: أكرمني؛ يعني: إنني أهلٌ للإكرام، كما يقول مثلًا كبيرُ القوم إذا نزلَ ضيفًا على أحدهم قال: أكرمني فلانٌ لأنني أهلٌ لذلك. ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ يعني ضيَّقَ عليه الرزقَ ﴿فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ يعني لا، يقول: إن الله تعالى ظلمني فأهانني، ولم يرزقني كما رزق فلانًا، ولم يُكرمني كما أكرمَ فلانًا، فصار عند الرخاء لا يشكر، يُعجَب بنفسه ويقول هذا حقٌّ لي، وعند الشِدَّة لا يصبر، بل يعترض على ربِّه ويقول: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾، وهذا حالُ الإنسان باعتباره إنسانًا، أمَّا المؤمن فليس كذلك، المؤمن إذا أكرمه الله ونعَّمَه شكرَ ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضلٌ من الله عز وجل وإحسانٌ، وليس من باب الإكرام الذي يقدَّم لصاحبه على أنه مستحِقٌّ، وإذا ابتلاه الله عز وجل وقَدَر عليه رزقَه صبر واحتسب وقال: هذا بذنبي، والربُّ عز وجل لم يُهِنِّي ولم يظلمني. فيكون صابرًا عند البلاء، شاكرًا عند الرخاء. وفي الآيتين إشارةٌ إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصَّر فيقول مثلًا: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر، لماذا ابتلاني الله بالفقر، بالمرض، وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر، فلْيَكُن محاسبًا لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب