الباحث القرآني

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥، ٢٦]. ﴿إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ أي: مرجعُهم، فالرجوع إلى الله، مهما فرَّ الإنسانُ فإنَّه راجعٌ إلى ربِّه عز وجل، لو طالتْ به الحياة، راجعٌ إلى الله، ولهذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦]، استعدَّ يا أخي لهذه الملاقاة؛ لأنَّك سوف تُلاقي ربَّك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» مباشرةً بدون مترجم، يكلمه الله يوم القيامة «فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ» - يعني على اليسار- «فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»[[أخرجه البخاري (٦٥٣٩) من حديث عدي بن حاتم.]]. كلُّنا سيخلو به ربُّه عز وجل يوم القيامة يقرِّره بذنوبه؛ يقول: فعلتَ كذا في يوم كذا، حتى يُقِرَّ ويعترف، فإذا أقرَّ واعترفَ قال الله تعالى: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٨٦ / ٥٢)، من حديث عبد الله بن عمر.]]. وكم من ذنوبٍ سَتَرها الله عز وجل، كم من ذنوبٍ اقترفناها لم يعلم بها أحد، ولكنَّ الله تعالى عَلِم بها. موقفنا من هذه الذنوب أن نستغفر الله عز وجل، أن نُكثر من الأعمال الصالحة المكفِّرة للسيئات؛ حتى نلقى الله عز وجل ونحن على ما يُرضيه سبحانه وتعالى. ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ نحاسبهم، قال العلماء: وكيفية الحساب ليس مناقشةً يُناقَش الإنسان؛ لأنَّه لو يُناقَش هلك، لو يناقشك الله عز وجل (...) الحساب هلكتَ. افرضْ ناقشك في نعمةٍ من النعم كالبصر، لا يمكن أن تجد أيَّ شيءٍ تعمله يُقابل نعمةَ البصر. نعمة النَّفَس؛ النَّفَس الذي يخرج ويدخل بدون أيِّ مشقَّة وبدون أيِّ عناء، فالإنسان يتكلم وينام ويأكل ويشرب، ومع ذلك لا يحسُّ بالنَّفَس ولا يعرف قَدْر النَّفَس إلا إذا أُصيبَ بما يمنع النَّفَس، فحينئذٍ يذكر نعمة الله، لكن ما دام في عافية فهو شيء طبيعي، لكن لو أنَّه أُصيبَ بكتم النَّفَس لَعرف قَدْر النعمة، فلو نُوقِشَ لَهلك؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» أو قال: «عُذِّبَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٥٣٦)، ومسلم (٢٨٧٦ / ٧٩)، من حديث عائشة.]]. لكن كيفية الحساب؛ أمَّا المؤمن فإنَّ الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحدٌ، ويقرِّره بذنوبه: فعلتَ كذا، فعلتَ كذا، فعلتَ كذا. حتى إذا أقرَّ بها قال الله تعالى: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ». أمَّا الكفار فلا يُحاسَبون هذا الحسابَ؛ لأنَّه ما لهم حسناتٌ تمحو سيئاتهم، لكنَّها تُحصى عليهم أعمالُهم ويُقَرَّرون بها أمام العالَم ويُخزَون بها، ويُنادَى على رؤوس الأشهاد ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود ١٨][[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٨٦ / ٥٢)، من حديث عبد الله بن عمر.]]، نعوذ بالله من الخذلان. وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة، وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي ﷺ يقرأ بهما في المجامع الكبيرة؛ فقد كان يقرأ في صلاتي العيدين (سبِّح اسمَ ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية)، وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحيانًا في العيدين (ق والقرآن المجيد) و(اقتربت الساعة وانشقَّ القمر)، وفي الجمعةِ سورةَ الجمعة والمنافقين، ينوِّع مرَّةً هذا ومرَّةً هذا. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممن تكون وجوههم ناعمة لسعيها راضية، وأن يتولَّانا بعنايته في الدنيا والآخرة، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب