الباحث القرآني

يقول عز وجل: ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية ١٩، ٢٠] كيف سَطَح الله هذه الأرضَ الواسعةَ وجَعَلها سطحًا واسعًا ليتمكن الناسُ من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير هذا، فما ظنُّكم لو كانت الأرضُ صَبَبًا غير مُسَطَّحة؛ يعني مثل الجبال يُرقَى لها ويُصعَد؟ لَكانت شاقَّةً ولَمَا استقرَّ الناسُ عليها، لكنَّ الله عز وجل جَعَلها سطحًا ممهَّدًا للخلق. وقد استدلَّ بعضُ العلماء بهذه الآية على أنَّ الأرض ليست كُرَويَّةً بلْ سطحٌ ممتدٌّ، لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأنَّ هناك آياتٍ تدلُّ على أنَّ الأرض كُرَويَّة، والواقع شاهدٌ بذلك؛ فيقول الله عز وجل: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر ٥]، والتكوير: التدوير، ومعلومٌ أنَّ الليل والنهار يتعاقبانِ على الأرض، فإذا كانَا مُكَوَّرينِ لَزِم أن تكون الأرض مُكَوَّرة؛ وقال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق ١ - ٤]، فقال: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾، وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تُمَدُّ مَدَّ الأديم -أي: مَدَّ الجلدِ- حتى لا يكون فيها جبالٌ ولا أوديةٌ ولا أشجارٌ ولا بناءٌ، يَذَرُها الربُّ عز وجل قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا[[أخرجه عبد الرزاق في التفسير (٣٥٤٩) من حديث علي بن الحسين.]]، فقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ متى تنشقُّ السماء؟ كلُّنا يعرف أنها لا تنشقُّ إلا يوم القيامة وأنها الآن غير منشقَّة، إذَنْ قوله: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ يعني يومَ القيامة، فهي إذَن الآن غير ممدودة، إذَنْ فما هي؟ هي مُكَوَّرة. والواقع المحسوس المتيقَّن الآن أنها كُرويَّةٌ لا شك، والدليل على هذا أنَّك لو سِرتَ بخطٍّ مستقيمٍ من هنا من المملكة متَّجِهًا غربًا لَأتيت من ناحية الشرق، ولا تجد شيئًا (...)، تدور على الأرض ثم تأتي إلى النقطة التي انطلقتَ منها، وكذلك بالعكس؛ لو سِرتَ متَّجِهًا نحو المشرق وجدتَك راجعًا إلى النقطة التي قُمتَ منها من نحو المغرب، إذَنْ فهي الآن أمرٌ لا شكَّ فيه أنها كُرويَّة. فإذا قال إنسان: إذا كانت كما زعمْتَ كُرويَّةً كيف تَثْبت مياهُ البحار عليها وهي كُرويَّة؟ نقول في الجواب عن ذلك: الذي أمسكَ السماءَ أن تقع على الأرض إلا بإذنه يُمسك البحارَ أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كلِّ شيءٍ قدير. قال بعض أهل العلم: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير ٦] أي: حُبِستْ ومُنِعتْ من أن تفيض على الناس، كالشيء الذي يُسجَر؛ يُربَط. وعلى كلِّ حالٍ القدرة الإلهية لا يمكن لنا أن نُعارِض فيها، نقول: قدرة الله عز وجل أمسكتْ هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم وإنْ كانت الأرضُ كُرويَّة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب