الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية ١٧] ويكون -إن شاء الله- الكلامُ عليه في لقاءٍ مُقبل. * * * (...) والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد، فهذا هو المجلس الحادي والستون من المجالس المعبَّر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) والتي تتمُّ كلَّ خميسٍ من كلِّ أسبوع، وهذا هو اليوم الرابع عشر من شهر المحرم عام خمسة عشر وأربع مئةٍ وألف، نبدؤه كالعادة بما تيسَّر من تفسير كلام الله عز وجل، وقد انتهينا في الدرس الماضي إلى قول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية ١٧]. لَمَّا قرَّر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية، وهي يوم القيامة، وبيَّن أنَّ الناس ينقسمون إلى قِسمين: وجوهٌ خاشعةٌ عاملةٌ ناصبةٌ تَصْلَى نارًا حاميةً، ووجوهٌ ناعمةٌ لِسَعْيها راضيةٌ، وبيَّن جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، وهذا الاستفهام للتوبيخ؛ أي إنَّ الله يوبِّخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة وعن الثواب والعقاب، أَنكر عليهم إعراضَهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأنَّ أكثر ما يُلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهُم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها، إلى غير ذلك من المنافع، فقال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ﴾ وهي الأباعر. ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ يعني: كيف خلقها الله عز وجل بهذا الجسم الكبير المتحمِّل؛ تجد البعير تمشي المسافات الطويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشِقِّ الأنفس وهي متحمِّلة، وتجد البعيرَ أيضًا يحمل الأثقالَ وهو باركٌ ثم يقوم في حِمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أنَّ الحيوان لا يكاد يقوم إذا حُمِّل وهو باركٌ، لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوةً وقدرةً من أجل مصلحة الإنسان؛ لأنَّ الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمةٌ لطولها، ولكن الله تعالى يسَّر له الحمل عليها وهي باركةٌ ثم تقوم بحِملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس ٧٣]، منافعها كثيرةٌ لا تُحصَى، وأهلُها الذين يمارسونها أعلم منَّا بذلك، فلهذا قال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، ولم يَذكر سِواها من الحيوان كالغنم والبقر والظباء وغيرها؛ لأنها -كما قلت لكم- هي أعمُّ الحيوانات نفعًا وأكثرُها مصلحةً للعباد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب