الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق ١٧] (مَهِّلْ) و(أَمْهِلْ) معناهما واحدٌ؛ يعني: انتظِرْ بِمُهلة، ولا تنتظرْ بِمُهلةٍ طويلة، ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ أي: قليلًا. و﴿رُوَيْدًا﴾ تصغير (رَوْد) أو (إرواد)، والمراد به الشيء القليل. وفي هذه الآية تهديدٌ لقريش، وتسليةٌ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووعدٌ له بالنصر، وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل؛ خرج النبيُّ عليه الصلاة والسلام مهاجرًا منهم وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتِل من صناديد قريش وكُبَرائهم وزعمائهم نحو أربعةٍ وعشرين رجلًا منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات، بل أقل من ثماني سنوات، دخل النبيُّ ﷺ مكة فاتحًا منصورًا ظافرًا، حتى إنَّه قال -كما جاء في التاريخ- قال وهو ممسِكٌ بعِضَادتَيْ[[عِضادتَا الباب هما خشبتاه من جانبيه.]] باب الكعبة وقريش تحته، قال لهم: «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟»؛ لأنَّ الأمر أصبح أمرُهم بيده عليه الصلاة والسلام، «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قالوا: أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. فقال: «إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ:» ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ «[يوسف: ٩٢]، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»[[أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١١٢٣٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٥٣٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إلا قوله: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» فأخرجه الطبري في التاريخ (٣ / ٦١) من حديث قتادة بن دعامة مرسلًا.]]. وإنما مَنَّ عليهم هذه المنَّة عليه الصلاة والسلام لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال ٣٨]. هذا هو آخر هذه السورة من كتاب الله عز وجل، وإنِّي في نهايتها أحثُّكم على تدبُّر القرآن وتفهُّم معناه، خذوا معناه من أفواه العلماء الموثوقين أو مِن كُتُب التفسير الموثوقة؛ مثل: تفسير ابن كثير، تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وما أشبههما من التفاسير التي تعرفون أصحابها أنهم موثوقون في عقيدتهم وفي آرائهم. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يتلون كتابَ الله حقَّ تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب