الباحث القرآني
كُنَّا تكلَّمنا في الأسبوع الماضي على أول آيات البروج إلى أن وقفنا على قول الله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج ٨] أي: ما أنكر هؤلاء الذين سَعَّروا النارَ بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا؛ أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل؛ ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، وهذا الإنكار أحقُّ أن يُنكَر؛ لأنَّ المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يُساعَد ويُعان وأن تُسَهَّل له الطرق، أمَّا أن يُمنع ويُردع حتى يَصِل الحدُّ إلى أن يُحرق بالنار فلا شكَّ أنَّ هذا عدوانٌ كبير، وليس هذا بمنكرٍ عليهم، بل هم يُحمدون على ذلك لأنهم عبدوا مَن هو أهلٌ للعبادة، وهو الله جل وعلا الذي خَلَق الخلْقَ ليقوموا بعبادته، فمَن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقَّها.
وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغَلَبة والعزَّة على كلِّ أحد، ولَمَّا قال المنافقون: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨].
وقوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ بمعنى المحمود، فالله سبحانه وتعالى محمودٌ على كلِّ حال، وكان من هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه إذا جاءه ما يُسَرُّ به قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»،وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[[أخرج ابن ماجه (٣٨٠٣) عن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات»، وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كلِّ حال».]]، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان؛ أن يقول عند المكروه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا ما نسمعه من بعض الناس يقول: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فهذا خلافُ ما جاءت به السُّنة، بل قلْ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، أمَّا أن تقول: الذي لا يُحمد على مكروهٍ سِواه، فكأنَّك الآن تُعلن أنَّك كارهٌ ما قدَّر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسانُ بما قدَّر الله عليه مما يسوؤه أو يَسُرُّه؛ لأنَّ الذي قدَّره عليك مَن؟ الله عز وجل، هو ربُّك وأنت عَبْده، هو مالكك وأنت مملوكٌ له، فإذا كان الله هو الذي قدَّر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الرضا والصبر وألَّا تتسخَّط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبِرْ وتحمَّل والأمر سيزول، دوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»[[أخرجه أحمد (٢٨٠٣)، والطبراني (١١٢٤٣) واللفظ له، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]. فقوله جل وعلا: ﴿الْحَمِيدِ﴾ ما معنى ﴿الْحَمِيدِ﴾؟ أجيبوني.
* طلبة: المحمود.
* الشيخ: المحمود على كلِّ حالٍ من سَرَّاء أو ضَرَّاء؛ لأنه إن قدَّر السرَّاء فهو ابتلاءٌ وامتحان؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥].
ولَمَّا رأى سليمانُ عرش بلقيس بين يديه بلحظةٍ ماذا قال؟ ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠]، فأنت يا أخي إذا أُصِبتَ بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شكَّ، لكن اعلمْ أنَّك ممتحَنٌ بها هل تؤدِّي شُكرها أو لا تؤدِّي، إن أصابتك ضرَّاء فاصبِرْ فإنَّ ذلك أيضًا ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرتَ واحتسبتَ الأجر من الله فإنَّ الله يقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠].
ويجوز أن يكون معنى قوله: ﴿الْحَمِيدِ﴾ أن يكون له معنًى آخَر وهو الحامد؛ فإنه سبحانه وتعالى يَحمد مَن يستحقُّ الحمد، يُثني على عباده من المرسَلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامدٌ وهو كذلك محمودٌ، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام «أنَّ الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها»[[أخرجه مسلم (٢٧٣٤ / ٨٩) من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: «إنَّ الله لَيَرضى عن العبد أن يأكل الأكلة...» الحديث.]]؛ لأنَّه لولا أنَّ الله يَسَّر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلتَ عليها؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة ٦٣، ٦٤]. أجبْ على هذا السؤال، الله يسألنا: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾، ما هو الجواب؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الجواب: بل أنت يا رب. ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ [الواقعة ٦٥]، بعد أن يخرج وتتعلَّق به النفوس يجعله الله حطامًا، ولم يقُلْ عز وجل: لو نشاء لم نُنبِتْه؛ لأنَّ كونه ينبت وتتعلَّق به النفس ثم يكون حُطامًا أشدُّ وقعًا على النفس من كونه لا ينبت أصلًا؛ ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [الواقعة ٦٥ - ٦٧]، ثم جاء للشُّرب فقال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة ٦٨، ٦٩] الجواب: بل أنت يا ربَّنا. ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ أي: مالحًا غير عذبٍ، لا يستطيع الإنسانُ أن يشربه ﴿فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٧٠] يعني: فهلَّا تشكرون الله على ذلك. وهنا لم يقُل عز وجل: لو نشاء لم نُنزله من المزن؛ لأنَّ كونه ينزل ولكن لا يُشرب لا يُطاق أشدُّ من كونه لم ينزل أصلًا، فتأمَّلوا يا أهل القرآن الكريم تجدوا فيه من الأسرار والحِكَم الشيءَ الكثير.
﴿
{"ayah":"وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق