الباحث القرآني

ثم بيَّن عظمتَه وتمامَ سلطانه في قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٥، ١٦]، ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، وقد جاء في الأثر أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقةٍ أُلقِيتْ في فلاةٍ من الأرض، حلقة الدرع صغيرة أُلقيت في فلاةٍ من الأرض ليست بشيءٍ بالنسبة لها، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة[[أخرج ابن حبان (٣٦١) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: «ما السماوات السبع مع الكرسيِّ إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة، وفَضْل العرشِ على الكرسيِّ كفضل الفلاة على الحلقة...» الحديث.]]. إذَن الكرسي لا أحد يقدر عن سعته، وإذا كُنَّا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التباين العظيم في أحجامها؛ أَطْلعني رجلٌ على صورةِ الشمس، مصوَّرة، وصورةِ الأرض، فوجدتُ أنَّ الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطةٍ غير كبيرة في تبسي واسع كبير، وأنها لا تُنسَب إلى الشمس إطلاقًا، ما هي شيء، فإذا كان هذا في الأشياء المشهودة التي تُدرَك بالتلسكوب وغيره، فما بالُك بالأشياء الغائبة عنَّا! لأنَّ ما غاب عنَّا أعظم مما نشاهد؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فالحاصل أنَّ العرش هو هذا الذي هو سَقْف المخلوقات كلِّها، عرشٌ عظيمٌ، استوى عليه الرحمنُ جل وعلا؛ كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥]. وقوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ هذه فيها قراءتان: ﴿﴿الْمَجِيدِ﴾ ﴾ و﴿الْمَجِيدُ﴾، فعلى القراءة الأولى تكون وصفًا للعرش، وعلى الثانية تكون وصفًا للربِّ عز وجل، وكلاهما صحيح؛ فالعرش مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيدٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب