الباحث القرآني

يقول الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق ٧، ٨]. لَمَّا ذكر أنَّ العبد، بل الإنسان -كل الإنسان- كادحٌ إلى ربِّه، (كادحٌ) أي: عاملٌ بجدٍّ ونشاط (إلى ربِّه) أي إنَّ عمله هذا ينتهي إلى الله عز وجل؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود ١٢٣] لما ذكر هذا قال: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ إشارة إلى أن هؤلاء العاملين منهم مَن يؤتَى كتابَه بيمينه، ومنهم مَن يؤتَى كتابَه من وراء ظهره. ﴿أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾، و﴿أُوتِيَ﴾ هنا فِعلٌ مبنيٌّ لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُه، فمن الذي يؤتيه؟ يحتمل أنَّه الملائكة أو غير ذلك، لا ندري، المهمُّ أنَّه يُعطَى كتابَه بيمينه، يستلمه باليُمنى. ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق ٨] أي: يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه، لكنَّه حسابٌ يسيرٌ ليس فيه أيُّ عُسر؛ كما جاءت بذلك السُّنَّة أنَّ الله عز وجل يخلو بعبده المؤمن ويُقَرِّره بذنوبه فيقول: عملتَ كذا، عملتَ كذا، عملتَ كذا. ويُقِرُّ بذلك ولا يُنكر، فيقول الله تعالى: قد سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم[[أخرج البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رجلًا سأله: كيف سمعتَ رسول الله ﷺ يقول في النجوى؟ قال: سمعتُه يقول: «يُدنَى المؤمنُ يوم القيامة من ربِّه عز وجل حتى يضع عليه كَنَفه، فيقرِّره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي ربِّ أعرف. قال: فإني قد سترتُها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم. فيُعطى صحيفة حسناته، وأمَّا الكفار والمنافقون فيُنادَى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله».]]، ولا شكَّ أنَّ هذا حسابٌ يسيرٌ يظهر فيه منَّةُ الله على العبد وفرحُه بذلك واستبشارُه. ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ والمحاسِب له هو الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية ٢٥، ٢٦]. ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق ٨، ٩] ينقلبُ من الحساب إلى أهله في الجنة مسرورًا؛ أي: مسرور القلب، وقد أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أن «أَوَّل زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٦)، ومسلم (٢٨٣٤ / ١٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، ثم هُم بعد ذلك درجات، وهذا يدلُّ على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب