الباحث القرآني

﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦] يعني: هذا اليوم العظيم هو ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، يقومون من قبورهم حُفاةً ليس لهم نعالٌ ولا خفافٌ، عُراةً ليس عليهم ثيابٌ؛ لا قُمُصٌ ولا سراويلُ ولا أُزُر ولا أرديةٌ، «حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»[[أخرج البخاري (٣٣٤٩)، ومسلم (٢٨٦٠ / ٥٨) واللفظ له، بسنديهما من حديث ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ خطيبًا بموعظةٍ فقال: «يا أيها الناسُ، إنَّكم تُحشَرون إلى الله حفاةً عُراةً غُرْلًا؛ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] ...» الحديث.]] أي: غير مختونين؛ بمعنى أنَّ القلفة التي تُقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها؛ كما قال الله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء ١٠٤]، ويُعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى وأنَّه يُعيد الخلق كما بدأهم، والقلفة إنما قُطعتْ في الدنيا من أجْل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بَقِيتْ فإنَّه ينحبس فيها شيءٌ من البول وتكون عُرضةً للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليفٍ بل هي دارُ جزاءٍ، إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد يكلِّف فيها امتحانًا؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم ٤٢- ٤٣]، المهمُّ أنَّ الناس يقومون على هذا الوصف: «حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، وفي بعض الأحاديث: «بُهْمًا»[[أخرجه أحمد (١٦٠٤٢) من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه، ولفظه: «يُحشَر الناسُ يوم القيامة -أو قال: العبادُ- عُراةً غُرْلًا بُهْمًا».]]، قال العلماء: (البُهْم) يعني الذين لا مال معهم؛ ففي يوم القيامة لا مال يفدي به الإنسانُ نفسَه من العذاب، في يوم القيامة ليس هناك ابنٌ يجزي عن أبيه شيئًا، ولا أبٌ يجزي عن ابنه شيئًا، ولا صاحبة، ولا قبيلة، كلٌّ يقول: نفسي نفسي؛ ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس ٣٧]. نسأل الله تعالى أن يُعيننا وإيَّاكم على أهواله وأن يُيَسِّره علينا. قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا ملْك ربِّ العالمين جل وعلا؛ قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [غافر ١٦-١٧]. وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على هذه الآيات الكريمة من سورة المطففين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب