الباحث القرآني

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] أي: حقًّا إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة؛ فإنهم يُحجَبون عن رؤية الله عز وجل كما حُجِبوا عن رؤية شريعته وآياته فرأوا أنَّها أساطير الأولين. وبهذه الآية استدلَّ أهل السُّنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل، ووجْه الدلالة ظاهرٌ؛ فإنَّه ما حَجَب هؤلاء في حال السخط إلا وقد مكَّن للأبرار من رؤيته تعالى في حال الرضا، فإذا كان هؤلاء المحجوبين فإنَّ الأبرار غير محجوبين، ولو كان الحَجْب لكلٍّ منهم لم يكن لتخصيصه بالفجَّار فائدةٌ إطلاقًا. ورؤية الله عز وجل ثابتةٌ بالكتابِ ومتواترِ السُّنة وإجماعِ الصحابة والأئمَّة، لا إشكال في هذا أنَّه تعالى يُرى حقًّا بالعَينِ؛ كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٢، ٢٣]، وقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦]، وقد فسَّر النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزيادةَ بأنَّها النظر إلى وجه الله تعالى، وكما في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق ٣٥]، والمزيد هنا هو بمعنى الزيادة في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، وكما قال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام ١٠٣]؛ فإنَّ نَفْي الإدراك يدلُّ على ثبوت أصل الرؤية، ولهذا كانت هذه الآية مما استدلَّ به السلف على رؤية الله واستدلَّ به الخلف على عدم رؤية الله، ولا شكَّ أنَّ الآية دليلٌ عليهم؛ لأنَّ الله لم يَنْفِ بها الرؤية وإنما نفى الإدراكَ، ونفي الإدراك يدلُّ على ثبوت أصل الرؤية، فالحاصل أنَّ القرآن دلَّ على ثبوت رؤية الله عز وجل حقًّا بالعين. وكذلك جاءت السُّنة بذلك صريحةً؛ حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»[[أخرجه البخاري (٧٤٣٥) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.]]، «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ»[[أخرجه بهذا اللفظ الترمذي (٢٥٥٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث متفق عليه؛ البخاري (٥٥٤)، ومسلم (٦٣٣ / ٢١١)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه بلفظ مقارب.]]. وقد آمَن بذلك الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسانٍ من سلف هذه الأمَّة وأئمَّتها، وأنكر ذلك مَن حُجِبتْ عقولُهم وقلوبهم عن الحقِّ فقالوا: إنَّ الله لا يمكن أن يُرى بالعين، وإنَّ المراد بالرؤية في الآيات هي رؤية القلب؛ أي: اليقين. ولا شكَّ أنَّ هذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ للقرآن والسُّنة وإجماع السلف، ثم إنَّ اليقين ثابتٌ لغيرهم أيضًا، حتى الفجَّار يوم القيامة سوف يَرَون ما وُعِدوا به حقًّا ويتيقَّنونه، وليس هذا موضع إطالةٍ في إثباتِ رؤية الله عز وجل والمناقشةِ في أدلَّة الفريقين؛ لأنَّ الأمر -ولله الحمد- من الوضوح أوضحُ من أن يُطال الكلامُ فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب