الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، ﴿قَالُوا﴾ أي: المكذِّبون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ أي: هلَّا أُنْزِل عليه ملك ليكون ذلك مصدِّقًا له، وهذا الاقتراح اقتراح تعنُّت، وإلا فقد جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بآيات واضحة، ولا أعظم من أنهم لما طلبوا آية أراهم انشقاق القمر، انشق القمر نصفين[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٣٦)، ومسلم (٢٨٠٠ / ٤٣) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، وشاهدوه، وهذا تغيير في الأفلاك، فهي من أكبر الآيات، لكن قولهم هذا من باب التعنت والتحدي والإعجاز. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ والملك واحد من الملائكة. ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ يعني: لو أنزلنا ملكًا لانتهى الأمر بنزول العقاب بهم؛ لأن الأمم السابقة إذا اقترحت آية معينة ثم أُعْطُوا الآية المعينة التي طلبوها، ثم لم يؤمنوا، أُخِذُوا بالعقاب بدون إمهال، ولم تؤخَذ قريش بآية انشقاق القمر؛ لأنها لم تطلب هذه الآية المعينة، بل قالوا: يا محمد، أَرِنَا آية، فأراهم انشقاق القمر، هكذا قال أهل العلم، أما إذا اقترح المكذِّبون للرسل آية معينة ثم جاءت ولم يؤمنوا نزل بهم العذاب. وقوله: ﴿لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: لقضي شأن هؤلاء، وذلك بإهلاكهم. ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ أي: ثم لا يُمْهَلُون، بل يعاجَلون بالعقوبة، والعياذ بالله. ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾ يعني: لو جعلنا الرسول ملَكًا، ﴿لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾، حتى لو فُرِضَ أننا جعلناه ملَكًا، فلا بد أن نجعله بشرًا؛ لأنه لا يتلاءم ملك مع البشر، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء ٩٥]، لكن ليس في الأرض إلا بشر، ولا يمكن أن نرسل إليهم ملائكة؛ لأن ذلك لا يناسب. ﴿لَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾، وحينئذ يبقى الإشكال، ولهذا قال: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾، أي: خلطنا عليهم الأمر كما خلطوه على أنفسهم. * نستفيد من هذه الآية فوائد؛ منها: تعنُّت المكذِّبين للرسل، وطلبهم آيات، مع أن الآيات كانت موجودة، لكنهم متعنِّتون. * ومنها: أنهم يؤمنون بالملائكة، أعني المكذِّبين للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾. * ومنها: أنهم يعلمون أن الملائكة في السماء، هي مقرُّهم ومسكنهم، الدليل: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾. * ومنها -يعني- من فوائد هذه الآية: أن الملك آية من آيات الله عز وجل إذا نزل مساعدًا للبشر؛ لأنهم هم أقرُّوا بأنه آية تدل على صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. * ومنها: أن الله سبحانه وتعالى يرد على المعاندين بمثل ما عاندوا به، ويحذرهم من اقتراح الآيات؛ لقوله: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾. * ومنها: ما أشرنا إليه أن المكذِّبين للرسل إذا اقترحوا آية معينة ولم يؤمنوا عُجِّلَت لهم العقوبة. * ومن فوائد الآية الثانية: أن الله تعالى لو أراد أن ينزل ملكًا لم ينزل ملكًا بصورته الملكية، ولجعله أيش؟ رجلًا، لماذا؟ من أجل التناسب؛ تناسب الرسل والمرسَل إليهم. * ومنها: حكمة الله تبارك وتعالى في إرسال الرسل من البشر من أجل الركون إليهم وقبولهم، بل إن الله تبارك وتعالى يجعل الرسل من أوساط الأقوام وأشرافهم وأفاضلهم حتى يحتموا بهم، وهذا لا يضر، أن يجعل الله تبارك وتعالى للرسل من يحميهم من أقوامهم، ويدل لذلك قول قوم شعيب له: ﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود ٩١]، مما يدل على أن الإنسان إذا كان من القوم صار له شأن كبير وهيبة، ويدل لعكس هذا قول لوط عليه السلام: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود ٨٠ ]، يعني إلى قوم يكونون عمادًا لي. * ومن فوائد الآية الكريمة: حسن المحاجة في القرآن الكريم، وهو أنه لو جاء الأمر على اقتراح هؤلاء لم يكن على ما اقترحوه، أي: لم يكن ملَكًا، لماذا؟ لعدم المناسبة بين الرسول والمرسَل إليهم، فإذا كان رجلًا عاد اللبس والاقتراح الذي اقترحوه؛ لقوله: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب