الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [الأنعام ٤٨] ﴿مَا نُرْسِلُ﴾ (ما) نافية، و(إلا) أداة حصر، والإرسال هو: تحميل الغير إبلاغ رسالة ممن أرسله؛ ولهذا كان القول الراجح في المسألة: أن الرسل أوحي إليهم بالشرع وأمروا بتبليغه. ﴿إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ لمن اتبعهم بالخير؛ بالجنة، ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ من خالفهم بالنار، هذه وظيفتهم، والبشارة هي: الإخبار بما يسر، والإنذار هو: التخويف بما يسوء. فإن قال قائل: كيف تقول: إن البشارة هي الإخبار بما يسر مع أن الله تعالى جعلها إخبارًا بما يسوء، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ إلى آخره [التوبة: ٣٤، ٣٥]؟ فالجواب: أن الإنذار يؤثِّر في البشرة كما يؤثِّر التبشير، أليس كذلك؟ وأصل التبشير الإخبار بما يسر، أصل تسميته تبشيرًا؛ لأنه تتأثر به البشرة، فتجد الرجل يستنير وجهه وينشرح صدره. .. أليس كذلك؟ وأصل التبشير الإخبار بما يَسُرُّ، أصل تسميته تبشيرًا؛ لأنه تتأثر به البشرة، فتجد الرجل يستنير وجهه وينشرح صدره. أو يقال: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١] على سبيل التهكم، حيث جعل الإنذار بلفظ البشارة نظير هذا، قال الله عز وجل: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩]، ﴿ذُقْ﴾ أمر إهانة، ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩]، قال بعض المفسرين: إن هذا من باب التهكم به حتى يزداد غمًّا إلى غَمِّه، وقيل: المعنى ﴿أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ في الدنيا، وليس لك في الآخرة إلا الإهانة. قال ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [الأنعام ٤٨]، فلماذا حصر هذا في البشارة والإنذار؟ حتى لا يدَّعِيَ مُدَّعٍ أن وظيفة الرسل تتعلق بالربوبية، وأن لهم نصيبًا من تدبير الخلق، وهذا واضح، فالرسل ليس لهم إلا أن يُبَشِّروا الناس وينذروهم فقط، أما أن يَهْدُوهم، أو يرزقوهم، أو يدفعوا عنهم السوء، فليس من وظائفهم. ثم قال: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ [الأنعام ٤٨] ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ إلى آخره [الأنعام: ٤٩]. والتفريق ظاهر، النبي من النبأ؛ وهو الخبر، أُخْبِرَ بالوحي ولكن لم يكلَّف بتبليغه، وإنما يتعبد به هو نفسه، ومن اتبعه فعلى هدى، لكن الرسول مكلَّف أن يبلِّغ ما أُرْسِل به، وهذا اللي عليه جمهور العلماء، وهو ظاهر؛ لأن آدم نبي، وليس مكمِّلًا لشريعة من قبله، بل شريعته مستقلة، فدل هذا على أن القول بأن النبي هو مَن تعبَّد بشريعة من سبقه، قول ضعيف، وأن قول الجمهور أصح. * * * أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾، سبق الكلام على هذا نأخذ في الفوائد. * من الفوائد: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾، أي: آمن بقلبه وأصلح العمل، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأنعام ٤٨]، لكن ﴿آمَنَ﴾ هذه مطلقة لم تقيَّد بشيء، إلا أن النصوص قَيَّدت ذلك، كما في قوله تعالى ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة ١٧٧]، وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جوابه لجبريل لما سأله عن الإيمان قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب. ]]. ﴿وَأَصْلَحَ﴾ أي: أصلح العمل، وإصلاح العمل لا يتم إلى بأمرين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، فمن أشرك مع الله في العبادة فإنه لم يصلح العمل، حتى ولو كان الشرك أصغر؛ لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]. الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن لم يتابع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العبادة فعبادته غير صحيحة، وهو غير مُصْلِح، حتى لو خشع، ورَقَّ قلبه، ودمعت عينه، فإن ذلك لا ينفعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له من حديث عائشة.]]، أي: مردود عليه. ﴿مَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، المتابعة لا تتحقق إلا إذا وافق العملُ الشريعةَ في الأمور الستة التي مرت علينا كثيرًا، وهي: الموافقة في السبب، والجنس، والقدر، والكيفية، والزمان، والمكان. وقوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي: لما يستقبل. ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي: لما مضى، فلا يحزنون على ما مضى من الدنيا؛ لأنهم استغرقوه في طاعة الله، ولا يخافون العذاب؛ لأنهم ناجون من العذاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب